منحت أمواج الجاذبية أحد الثقوب السوداء المتشكلة حديثًا سرعة اندفاعٍ عالية. إذ تَكوّن ثقب أسود جديد من اندماج ثقبين أسودين لينطلق بعدها بسرعة عالية تصل إلى 5 مليون كيلومتر في الساعة.
واتّضح أن هذه الموجات تنبعث من الثقبين الأسودين عند دورانهما حول بعضهما بشكل مغزلي وقبل اندماجهما، وتدفع هذه الموجات بالثقب الأسود الجديد المتكون ليبتعد في الفضاء بسرعة قصوى.
هذا ما لاحظه العلماء في الآونة الأخيرة وصرّحوا في البحث الذي نُنشر في Physical Review Letters بأنّ السرعة التي انطلق بها الثقب الأسود الجديد كبيرة جدًا وهي أقل من سرعة الضوء ب 200 مرة فقط.
تبيّن أن أمواج الجاذبية هذه التي دفعت بالثقب الأسود خارجًا هي تمواجات في نسيج الزمكان، وهي عادةً تصدر عن أي ثقبين أسودين يدوران حول بعضهما بشكل مغزلي سعيًا إلى الاندماج.
تعمل هذه الأمواج الصادرة على شد الفضاء المحيط بها وضغطه، وفي حال صدرت هذه الأمواج باتجاه واحد نحو الكون فهذا سيؤدي إلى ارتداد الثقب الأسود الناتج عن اتحاد الثقبين في الاتجاه المعاكس».
وصرّح عالم الفيزياء الفلكية فيجاي فارما التابع لمعهد ماكس بلانك لفيزياء الجاذبية في بوتسدام، ألمانيا: «العملية تشبه إلى حد بعيد ارتداد المسدس بعد إطلاق الرصاصة».
وفي هذا الصدد، تلقت مراصد أمواج الجاذبية ليغو وفيرجو الموجودة في الولايات المتحدة وأميركا موجات الجاذبية عند وصولهما إلى الأرض بتاريخ 29 يناير عام 2020.
وكشفت هذه الأمواج حقائق وتفاصيل عن عملية اندماج الثقبين وأشارت إلى احتمال وجود قوة دافعة كبيرة تعرضت لها تانك الثقبان عند دورانهما حول بعضهما؛ إذ كان أحدهما يسبق الآخر ضمن مسارات مدارية مغزلية.
وأثناء دورانهما السريع حول بعضهما كان المستوى الذي يدوران فيه يتذبذب أيضًا جاعلًا أحدهما يسبق الآخر ما زاد القوة الدافعة الناتجة -والارتداد بالنتيجة- عند اندماجهما.
وحرصًا على الوصول إلى أكبر قدر ممكن من الحقائق عن هذا الموضوع دقق فارما وزملاؤه أكثر في تلك البيانات للتحقق من كون الثقب الأسود الناتج عن عملية الاندماج قد طُرد بعيدًا عن مكان تشكله.
ومن هذا المنطلق قارن الباحثون البيانات الموجودة لديهم مع أشكال متنوعة من عمليات الاندماج المتوقعة للثقوب السوداء، أُنشئَت بناءً على محاكاة حاسوبية قادرة على حل معادلات النسبية العامة «نظرية آينشتاين للجاذبية».
وبالنتيجة كان الارتداد كبيرًا، واكتشف الباحثون أن الاحتمال الأكبر يرجح حدوث قذف للثقب الأسود من مكان تشكله إلى حافة الكون.
يعتقد العلماء أن العناقيد الكروية -وهي مجموعة كثيفة من النجوم والثقوب السوداء- هي أحد المواقع التي تشترك فيه الثقوب السوداء وتندمج معًا.
وبحسب دراسات الفريق فإن احتمال بقاء الثقب الأسود المتشكل ضمن التجمع بعد تعرضه للقوة الدافعة هو فقط 0.5%. وفي أنواع أُخرى من التجمعات الكثيفة التي تعرف بعناقيد النجوم النووية وصلت النسبة فيها إلى 8%.
إضافةً إلى ما سبق وجد الباحثون أن الاندفاع الكبير للثقب الأسود من المحتمل أن يؤدي إلى تداعيات كبيرة.
وحدد المرصدان ليغو وفيرجو اندماج ثقوب سوداء لكتل نجمية كبيرة تشكلت بعد انفجار نجم وتحوله إلى مستعر أعظم ثم انهيار النجم في ثقب أسود.
يريد العلماء معرفة قابلية الثقوب السوداء التي تشترك معًا في التجمعات الكروية للاشتراك مجددًا، أي: هل تخضع هذه الثقوب لعمليات اندماج في جولات متعددة مع ثقوب أُخرى؟
في حال ورود هذا الاحتمال فهو يفسر الظهور المفاجئ للكثير من الثقوب السوداء الكبيرة التي شوهدت مسبقًا في عمليات اندماج.
أما إذا كانت الثقوب السوداء تقذف خارج المكان الذي تكونت فيه فإن احتمال حدوث الاندماج المتعدد سوف ينخفض.
ويقول فارما في هذا الصدد: «تلك القوة الدافعة تعد عنصرًا مهمًا في فهم كيفية تشكل الثقوب السوداء ذات الكتل النجمية الهائلة».
واكتشف علماء الفلك سابقًا دليلًا على القوة الدافعة التي تمنحها أمواج الجاذبية للثقوب السوداء ذات الكتلة الكبيرة كما وجدوا أن الكتل النجمية ذات الحجم الأكبر تتموضع في مراكز المجرات.
وكانت استنتاجات العلماء في السابق تعتمد على رصد الضوء بدلًا من رصد أمواج الجاذبية وصرّحت الفيزيائية الفضائية مانويلا كامبانيلّي التابعة لمعهد روتشستر للتكنولوجيا في نيويورك ولم تشارك في الدراسة الحديثة بأن: «يعد القياس باستخدام أمواج الجاذبية أسهل الطرق في تفسير الأحداث وأوضحها».
حديثًا، كشفت بيانات كل من المرصدين «ليغو وفيرجو» بعض الحقائق التي تعود لثقوب سوداء تعرضت لقوى دفع صغيرة.
الدراسة الجديدة هي الأولى من نوعها التي توضح استخدام أمواج الجاذبية للكشف عن ثقب أسود تلقى قوة دفع كبيرة، ولكن ووفقًا لتصريحات كامبانيلّي فالأمر ليس بجديد إذ قالت: «من المذهل حقًا أن يستطيع شخص ما رؤية ما تنبأت به دراساتك العلمية مسبقًا».
المصدر: ساينس نيوز ترجمة: ibelieveinsci