يعتبر السفر جواً بالطائرات التجارية أو الخاصة من أبرز الوسائل وأكثرها شهرة واستخداماً في العالم، لكن هذه الشعبية والاستخدام الكثيف يأتيان بثمن باهظ على الكوكب الذي نعيش فيه، حيث تفيد الإحصائيات بأن صناعة الطيران وحدها أنتجت ما يصل إلى أكثر من 900 مليون طن متري من ثاني أوكسيد الكربون في عام 2019.
قبل أن تنخفض إلى 495 مليون طن متر في عام 2020، لتعود للارتفاع مجدداً إلى نحو 671 مليون طن متري في النصف الأول من هذا عام 2022.
نتيجة لهذا، ظهرت العديد من المبادرات والمشاريع الناشئة التي تُشجّع على استخدام وسائل صديقة للبيئة لجعل هذه الصناعة أكثر استدامة، مثل الطائرات الكهربائية. ومع ذلك، بينما يأمل البعض أن تحل هذه الطائرات مشكلة الانبعاثات المتزايدة التي تنتجها صناعة الطيران، يتساءل البعض الآخر عن المعايير التي تعتبر هذه التكنولوجيا مستدامة.
هذا يعود إلى أن الطائرات الكهربائية حتى وإن كانت تبدو أقل إنتاجاً لغاز ثاني أوكسيد الكربون، فإنها تستمد طاقتها في النهاية من شبكات الكهرباء، وفيها بطاريات يمكن أن تلوث الأرض عند التخلص منها بشكل غير صحيح، بالإضافة إلى ذلك،يتساءل البعض عما إذا كانت الطائرات الكهربائية حلاً عملياً يمكن نشرها في المستقبل القريب.
هل الطائرات الكهربائية تمثل حلاً لمشكلة الانبعاثات الضارة؟
لحل مشكلات انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون التي تنتجها الطائرات التقليدية، بدأت شركة صناعة الطائرات السويدية هارت إيرو سبايس (Heart Aerospace) بتطوير طائرة كهربائية تتسع لـ 19 شخصاً، تُسمى إي إس-19 (ES-19)، ويأتي النموذج الأولي للطائرة الكهربائية بهيكل من الألومنيوم، ومزودة بمعدات هبوط قابلة للسحب، وجناح مرتفع وذيل على شكل حرف (T)، وتحتوي على محرك كهربائي بقدرة 400 كيلو وات وبطارية من نوع ليثيوم أيون، وحتى الآن، فإن الطائرة الكهربائية مصممة للطيران لمسافات تصل إلى 400 كيلومتر (250 ميلاً)، ويأمل مطوروها مع تحسن تكنولوجيا البطاريات، أن تتمكن الطائرة من الطيران لمسافات تصل إلى 1300 كيلومتر (810 أميال)، بدون المساس بتجربة الركاب، مثل وزن الأمتعة.
مقارنة بطائرة داش-8 (Dash 8) الكندية والتي تعمل بمحركات توربينية، من المتوقع أن توفر الطائرة الكهربائية (ES-19) تكاليف طاقة أقل بنسبة 75% من الطائرات التي تعمل بالوقود التقليدي، بالإضافة إلى تكاليف صيانة أقل بنسبة 50%، وضوضاء أقل بنسبة 50%. بالإضافة إلى ذلك، تعد الرحلات الجوية قصيرة المدى التي تجريها هذه الطائرة الكهربائية مع عدد أقل من مقاعد الركاب مربحة للغاية، مقارنة بالطائرات ذات المحركات التوربينية التي تحتوي على ما يقرب من 70 مقعداً.
بحسب مسؤولي الشركة، فإن المحرك الكهربائي الذي يُشغل طائرة (ES-19) أقل تكلفة بنحو 20 مرة من محرك توربيني بحجم مماثل، ونحو 100 مرة أقل تكلفة من أرخص محرك من نوع توربوفان (Turbofan)، والأهم من ذلك أن تكاليف صيانته أقل بـ 100 مرة، هذا يجعل تكلفة صيانة الطائرات الكهربائية قليلة بالمقارنة مع أنواع الطائرات الأخرى، وهي ميزة تنافسية قوية.
ماذا عن تأثير الكهرباء والبطاريات على البيئة؟
بحسب مهندسي الطائرة الكهربائية (ES-19)، فإن مصادر الكهرباء المتوفرة في السويد، والتي تأتي 50% منها من مصادر متجددة، من شأنها أن تجعل وصول بطارية الطائرة إلى حالة الشحن الكاملة بعد أقل من 40 دقيقة فقط، حيث إن دورة الشحن السريع هذه تلغي الحاجة إلى تبديل البطارية باستمرار. بالإضافة إلى ذلك، قالت الشركة إن استبدال البطارية سيكون إجراءً سنوياً على الأقل إذا كانت الطائرة الكهربائية تطير بمعدل 10 رحلات يومياً.
أمّا عن البطاريات المستبدلة، فإن الشركة تؤكد أن هناك الكثير من الحالات التي يمكن استخدامها فيها، بما في ذلك استخدامها كوحدات تخزين كهرباء لشبكة المطار. ثم التخلص منها بنهاية عمرها الافتراضي بشكل سليم، أو إعادة تدويرها بنسبة 50%، أو إعادة استخدام مكوناتها الداخلية مرة أخرى في صناعات أو مشاريع جديدة.
لماذا لدينا سيارات وقطارات كهربائية، والقليل جداً من الطائرات الكهربائية؟
السبب الرئيسي هو أنه من الأسهل بكثير إجراء تعديل جذري لسيارة أو قطار، حتى لو كانت تعمل بالوقود الأحفوري، يمكن للسيارات أن تتعامل بسهولة مع الكتلة الزائدة من تخزين الكهرباء أو أنظمة الدفع الكهربائية، لكن الطائرات أكثر حساسية. على سبيل المثال، تؤدي زيادة كتلة السيارة بنسبة 35% إلى زيادة استخدام الطاقة بنسبة 13-20%. لكن بالنسبة للطائرة، فإن استخدام الطاقة يتناسب طردياً مع الكتلة، بمعنى زيادة كتلتها بنسبة 35% تعني أنها تحتاج إلى 35% طاقة أكثر.
علاوة على ذلك، تسافر الطائرات لمسافات أبعد بكثير من السيارات أو القطارات، ما يعني أن الرحلة تتطلب طاقة أكبر بكثير من متوسط الرحلة البرية. ومن ثم يجب أن تخزن الطائرة على متنها كل الطاقة اللازمة لتحريك كتلتها لكل رحلة، على عكس القطار المتصل بشبكة كهربائية، لذا فإن استخدام مصدر طاقة ثقيل يعني أن هناك حاجة إلى مزيد من الطاقة للرحلة، ما يؤدي إلى زيادة الكتلة. لهذا تعتبر الكتلة أمراً بالغ الأهمية للطائرات، ولهذا السبب تزن شركات الطيران الأمتعة بدقة.
هل الطيران لمسافات طويلة سيعتمد دائماً على الوقود الأحفوري؟
ليس بالضرورة، فبينما يتطلب تصميم الطائرات الكبيرة التي تعمل بالكهرباء بالكامل تحولاً رئيسياً في طريقة تخزين الطاقة وهو أمر لم نصل إليه بعد، فإن هناك طرقاً أخرى لتقليل التأثير البيئي للطيران، وهي الطائرات الهجينة التي تجمع بين الوقود الأحفوري والدفع الكهربائي. تشتمل هذه الفئة من الطائرات على تصميم بدون بطاريات، من خلال عمل نظام الدفع الكهربائي على تحسين كفاءة الدفع وتقليل كمية الوقود المطلوبة.
كما يجري تطوير طائرات كهربائية هجينة مزودة ببطاريات قد توفر طاقة إضافية في ظروف معينة. مثل توفير طاقة الإقلاع والهبوط لتقليل الانبعاثات بالقرب من المطارات، كما أن الطائرات الكهربائية ليست هي الطريقة الوحيدة لتقليل البصمة الكربونية المباشرة للطيران. حيث تتم دراسة استخدام الوقود البديل، مثل الوقود الحيوي والهيدروجين.
وقد تم بالفعل استخدام الوقود الحيوي لأول مرة في رحلة طيران تجارية في عام 2008، ومنذ ذلك الوقت، أجرت العديد من شركات الطيران تجارب عليها. وعلى الرغم من عدم اعتماده على نطاق واسع، فإن العلماء يدرسون حالياً استخدام الوقود الحيوي المستدام الذي لا يؤثر على مصادر المياه العذبة أو إنتاج الغذاء.
استخدام الوقود الحيوي لا يتطلب تغييرات كبيرة في الطائرات الحالية أو البنية التحتية للمطارات. ولكن من ناحية أخرى، يتطلب استخدام الهيدروجين إعادة تصميم كاملة للبنية التحتية للتزويد بالوقود في المطار وله أيضاً تأثير كبير على تصميم الطائرة نفسها.
مستقبل الطائرات الكهربائية
على الرغم من أن الطائرة الكهربائية (ES-19) قد تم تصميمها خصيصاً لتلبية الطلب المستقبلي في السوق المحلي، فإنه تبين أنها أكثر جاذبية لشركات الطيران العالمية، وقد أدى ذلك إلى قيام مسؤولي الشركة المصنعة بتغيير مواصفات شهادة وكالة سلامة الطيران التابعة للاتحاد الأوروبي (EASA) من (CS-23) إلى (CS-25)، وهو ما يعني أن تصميم الطائرة سيكون أسهل للتكيف مع المتطلبات المحددة للسوق العالمي، ما يسمح لها بالطيران حتى في الولايات المتحدة الأميركية.
بالإضافة إلى ذلك، فقد جذبت الطائرة الكهربائية أعين العديد من شركات الطيران الكبرى، مثل شركة الخطوط الجوية المتحدة التي أعلنت عن توصلها إلى اتفاق لشراء ما يصل إلى 100 طائرة (ES-19)، لتشغيلها على المسارات الإقليمية. كما تجري الشركة المصنعة محادثات مع العديد من شركات تصنيع الطائرات العالمية، واتحادات الطيران الدولية بهدف الحصول على أنظمة قمرة القيادة وضوابط الطيران، وهذا ينبئ بأن ظهور الطائرات الكهربائية في الجو أقرب مما نتخيل، لما لها من فوائد من حيث التكلفة والتشغيل، والأهم تقليل الانبعاثات الكربونية، ما يؤدي إلى كوكب أكثر استدامة في المستقبل.
المصدر: إم آي تي تكنولوجي ريفيو