تكشف الطالبة الجامعية في كلية العلوم (منال، 23عاماً)،وهي من أهالي دمشق، عن حادثة اختطافها من قبل جنود الأسد على أحد حواجز دمشق، إلا أنها لن تتمكن من سرد كل التفاصيل المروعة التي حدثت معها دفعة واحد، بل على مراحل بحسب الناشط (عمر الدمشقي) ، وذلك بسبب تشتتها وعدم قدرتها على التخلص من (الصدمة) النفسية التي ألمّت بها.
تقول: "سأذكر قصة اختطافي على مراحل متتالية، وربما تكون غير متتالية، فما زلت مشوشة وغير متوازنة فاعذروني".
ويؤكد الناشط (الدمشقي) بأن الانتهاكات التي يرتكبها النظام السوري ضد حقوق الإنسان والمرأة خصوصاً ما تزال مستمرة وممنهجة، تقول (منال): "قبل أن أبدأ بذكر الحادثة أقول لكم أنا فتاة سورية لم أتطرق نهائياً لما يجري في بلدي بين الطرفين المتنازعين, أعمل في الحقلين الاجتماعي والنفسي وأدرس في كلية العلوم، لا أرغب بذكر اسمي الحقيقي، كي لا يعمم اسمي في أفرع الأمن والمخابرات، كما أني مصابة بمرض سرطان الدم، وأتلقى علاجاً كيميائياً، وهو الأمر الذي أنجاني من البقاء أكثر لديهم".
وتتابع: "تبدأ قصتي يوم 27 أيلول/ سبتمبر الماضي، أي قبل أسبوع من عيد الأضحى، حيث كنت ذاهبة برفقة زوجة أخي لشراء بعض الحاجيات من السوق، وبعد أن مررنا على حواجز عديدة لجيش النظام التي تهين المدنيين ويتخذون اللعب في كرامة الناس وأمنهم هواية ولهو".
وتواصل حديثها: "وصلنا إلى حاجز في حي العدوي قرب مشفى الحياة، نراه لأول مرة أعتقد أنه غير ثابت، طلبوا منا الهويات ودققوا فيها وتناقشوا فيما بينهم، قالوا لنا انزلوا من التاكسي، نزلنا وتم صرف التاكسي، فقال لي أحدهم :(أساليب ثورتكم والخيانة الإسرائيلية لم تعد تنطلي علينا "واتهمني تباعاً" عميلة عاهرة خاينة، سترون الآن ماهي الحرية)".
تقول (منال): "صدمني قوله وسكتُّ لحظات ثم رددت عليه باستهزاء:أنا سورية ابنة دمشق وهويتي يظهر عليها أني ابنة حي الميدان، وزوجة أخي تولد الشاغور، ولي ثلاث إخوة معكم في الجيش ووالدي على علاقة طيبة مع عميد فرع أمن لا أذكر اسمه.. لكن كل ذلك لم يمنعهم من الشك بأمرنا أو التحايل بحجة أننا إرهابيات كما اتهمونا وأخذونا لمكان مجهول لكنه غير سجون النظام التي نعرفها، وبقينا فيه لليوم التالي".
وفي اليوم التالي، تقول (منال): "تم نقلنا إلى منزل غير مكسو، نوافذه مغلقة بالحجارة، ورائحته كريهة جداً لأن فيه عشرات النسوة تمنع من قضاء الحاجة في الخارج، فتوضع لهن علبة كبيرة لقضاء الحاجة فيها، وما رأيناه للوهلة الأولى كاد يوقف قلبي عن عمله وتمنيت لو حدث ذلك، حيث كان بينهم نساء عاريات، وقد صبغ الدم جلودهن!
وتواصل حديثها: "الارتياب جعلني أتوقف عن الحركة ودقات قلبي صارت تتسابق، وبعد ساعات قليلة بدأتُ البكاء والنواح، والصراخ والاستنجاد، عندما دخل علينا شاب لا يتجاوز عمره الخامسة والعشرين، وضربني بشدة، وقال لي بلهجته الطائفية المعروفة في السلك العسكري لنظام سوريا لهجة الطائفة "العلوية" (اخرسي يا حيوانة حتى نتأكد من هويتك)".
ولاحظت (منال) امرأة في الخمسين من العمر كانت عارية وتجلس إلى جانبها، وصدمها منظرها إلى جانب ابنتها التي علمت بأمرها لاحقاً وكانت فاقدة للنطق تماماً، ولا تصدر صوتاً سوى الأنين، وكأنها قد تعرضت للاعتداء قبل ساعات.
*تواصل منال حديثها:
غفت عيني من التعب، فصحوت دون أن أرى شيئاً سوى ضوء خافت يخرج من ثقوب الجدران، وذلك بعد أن غابت الشمس. تمالكت نفسي قليلاً، سألت المرأة الجالسة إلى جانبي، دون أن ألاحظ ملامحها، لأنها تضع رأسها على ركبتيها وشعرها يغطي وجهها: (أين نحن وما هذا المكان الذي نحن فيه؟).
أجابتني وكأنها إجابة ألم أوجنون :(الثوار سيحررونا… لا تخافي… هم قادمون أليسوا من قال أنهم قادمون يا دمشق أين هم الآن؟) وانفجرت بالبكاء.
حاولت أن أسأل امرأة أخرى، وجميعهن متشابهات بطريقة الجلوس (الرأس على الركبتين والشعر يغطي الوجه وما أمكن من الصدر)، حاولت أن أسألها عن أي شيء، وبدون أن أشعر لمستها كي تلتفت إلي، فصرخت: (حرام حرام رح موت… والله لا أحتمل أكثر أرجوكم نقبل أرجلكم… اتركونا منشان الله…بيكفي).
صوت الأنين كالطقس الوثني القديم، وكأنه عبادة لشيء ما، كان الأمر أشبه بمناجاة الآلهة, خرج صوت من مكان ما بالبيت: (إجو إجو إجو…).
تحول الأنين إلى بكاء، سمعت صوت أقدام تقترب من المنزل، وفتح باب الحديد وصوت الجنزير كأنه يلف على عنقي، فدخل عدة أشخاص، وصرخ أحدهم باللهجة نفسها :(منال) واللي معها لهون فوراً).
خرجت أنا وزوجة أخي، فكبلونا وأخذونا إلى مكان محاط بشجر "السرو" وكأنها مزرعة, لا صوت سوى صوت جهاز لاسلكي مع أحدهم.
أتت امرأة ومعها مسلحات اصطحبتنا إلى الحمامات، والسلاح موجه علينا، طلبن منا تنظيف أنفسنا وتعطرنا تحت الإجبار والضغوطات، ومن ثم خرجنا وأتت امرأة أجلستنا، لتصفف شعرنا وتزيننا تباعاً.
بعد أن انتهينا، مشينا ولفافة سوداء حول عيوننا، حتى وجدنا أنفسنا في بهو كبير، يتزعمه رجل يلبس الزي العسكري يحمل مسدساً والسيجار بين أصبعيه يلف رجل فوق الأخرى وحوله طوق من المسلحين, يجلس وكأنه في انتظارنا،.
قال: (اقتربن..) ثم وقال ساخراً بلهجة لبنانية :(من تريد أن تتزوجني على سنة الله ورسوله؟) أتبع كلامه بضحك ذكرتني شخصيته ووضعه الرهيب بفلما هوليودياً رأيته مرة, ولكن الآن أنا بطلة الفلم.
نظر إلي بعدها بطريقة فظيعة، وقال لي: (تجهزي رح نسهر مع بعض اليوم) قلت له وقلبي يتفطر خوفاً :(يسرني ذلك سيدي ولكني مصابة بسرطان الدم). قال غاضباً: (تأكدوا من الأمر حالاً.. فإن كانت كاذبة ارموها من حيث أتيتم بها يتمتع بها الشباب متى أرادوا).
خرجنا بذات الطريقة دون أن نرى شيئاً، مع النسوة أنفسهن، كان من حظ زوجة أخي أنها ليست جميلة، ومن حظي إصابتي بسرطان الدم. قالت لي المرأة التي أتت بنا : (إذا كنت كاذبة فسيكون مصيرك هكذا)، ففتحت لنا أعيننا من تحت الضماد، بعد أن قطعنا مسافة لا بأس فيها، فرأيت عشرات النساء عاريات تماماً، مصفوفات بطابور يمتد جانباً بآلية العرض، ورجال مسلحين ينتقوهن كالخضراوات، ويتحسسون أجسادهن واحدة تلو الأخرى. إنه كسوق لبيع وشراء النسوة كما علمت لاحقاً.
قالت المرأة: (هؤلاء نساء ليتمتع بهن المقاتلون، يباعوا ويشتروا لأنهن عميلات خربن الوطن، يمنع عليهن ارتداء ملابسهن، فإن كنت كاذبة سوف تلقين معهن).
تقيأت على الفور، فصفعتني المرأة، وجبرتني للمسير مرة أخرى، وتم وضعنا في مكان آخر غير الذي نزلنا فيه أول مرة، لم يكن بذاك المكان عاريات، وهو منزل بنفس مواصفات ذاك المنزل، ولكن دون رائحة كريهة.
المأساة تنتهي بالموت
عند حلول المساء جاء أحد الجنود يلهو بأجسادنا ويضربنا لأننا من الطائفة السنية كما كان ينعتني "يا كلبة… رح ندفنكم يا أحفاد أمية…" وكان كثيراً ما يسب الخليفة عمر بن الخطاب.
وقد أنهى الناشط (عمر الدمشقي) حديث (منال) عبر السكايب نتيجة تأثره بشدة بكائها، وقد طلب منها الإتمام في وقت لاحق.
يقول الناشط (عمر): "حتى تاريخ كتابة التحقيق في 5 / 10 / 2014 انقطع الاتصال الكامل معها، وعلمت لاحقاً من المصدر الذي أوصله بها أنها توفيت بعد ساعات من مكالمتي، نتيجة حزنها الشديد الذي أدى إلى نوبة قلبية".
وبحسب (عمر الدمشقي) فقد انتهت مأساة (منال) بوفاتها، وماتت معها تفاصيلها المرعبة، وقال إن زوجة أخيها رفضت الإدلاء بأي معلومة بسبب الخوف والتعب، فقد أفاد المصدر ذاته بأن زوجة أخيها أصيبت بصدمة نفسية بعد وفاة قريبتها (منال).
تتضارب الأقاويل والشائعات حول مدى مصداقية قصص خطف واغتصاب فتيات ونساء يقوم بها شبيحة الأسد وعناصر جيشه، ولكن منظمات حقوقية محلية وأجنبية وثّقت مئات الحالات التي تعرضت فيها نساء للاعتداء والاغتصاب من قبل ميليشيات الأسد في معظم المدن السورية.
وتتكر حالات اعتداء على نساء في دمشق وريفها، ويؤكد الثوار والناشطون بأن هذه الانتهاكات تتم بشكل منهجي من قبل قوات الأسد وشبيحته وميليشيات شيعية متطرفة استجلبها النظام لمساندته في قمع السوريين، تقول سيرين الخطيب : قصص الاختطاف والتحرش الجنسي من قبل "حماة الديار" للفتيات الدمشقيات أمر صار شبه عادي لدى الحواجز الأمنية.
وتروي "سيرين": (كنت مع صديقتي في سوق الحميدية بدمشق قرب المسجد الأموي ذات يوم, وإذ أسمع جنديين من (حماة الديار) يمشون خلفنا أحدهما يقول للآخر "شايف 3 بنات اللي عند محل (بكداش)؟! اختر واحدة منهن وسأحضرها لك!!).
تقول سيرين "حينما سمعت ذلك، صعقت، ولا أدري كيف أصف الحادثة، لكن تجمدت تماماً، و فعلا التفت إلى محل (بكداش) ورأيت 3 فتيات بعمر 16 عاما يقفن بانتظار الدخول للمحل، لم أستطع فعل شيء غير أني تركت المحل ومشيت بسرعة، لأخرج من السوق، وخرجوا خلفي من السوق فوراً وعيونهم علّي حتى تمكنت الهروب عن أنظارهم".
وتضيف : "كل شي في بلدي صار مباح، و كل شيء يهون، بكيت بكاءً شديداً لما حدث، أطالب منظمات حقوق الإنسان بفتح تحقيق لم يجري في دمشق على الحواجز الأمنية والثكنات العسكرية التي تحولت لمراكز دعارة واعتداءات جنسية".
ينتشر في شوارع العاصمة عدد كبير من عناصر الأمن وجيش النظام ويقطعون الطرقات بحواجز ثابتة وأخرى طيارة، ويوقفون الناس، ويدققون في هوياتهم الشخصية ويخضعونهم للتفتيش الدقيق مع توجيه الإهانات والشتائم.
وأصبحت هذه الحواجز عبأً ثقيلاً على الدمشقيين، حيث يقول حازم (موظف مقيم في دمشق): "لا يمكن أن أصل إلى مكان عملي في الوقت المحدد، عليّ أن أقف أخضع للتفتيش على أكثر من 11 حاجزا أمنياً، قبل أن أصل إلى المكان الذي أقصده، حالي يتشابه مع أحوال مئات الآلاف من الدمشقيين الذين بات عدد كبير منهم يفضلون المكوث في البيت متجنبين التعرض للإذلال والمهانة على حواجز النظام السوري".