في خطوة مفاجئة وتاريخية، أعلنت الرئاسة السورية يوم 10 مارس 2025 عن توقيع اتفاق بين الحكومة في دمشق وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي يقودها القائد الكردي مظلوم عبدي. هذا الاتفاق، الذي جاء بعد مفاوضات شاقة استمرت لأكثر من شهرين، يحمل في طياته وعودًا بإنهاء الانقسام في شمال شرق سوريا، لكنه يثير في الوقت ذاته تساؤلات حول إمكانية تنفيذه وتداعياته على المشهد السياسي المعقد في البلاد.
خلفية الاتفاق
لم يكن توقيت الإعلان عن الاتفاق اعتباطيًا. فسوريا، التي تشهد تغيرات جذرية بعد سقوط النظام السابق، تواجه تحديات داخلية خطيرة، أبرزها التمرد الدموي الذي اندلع في اللاذقية على يد فلول النظام البائد. وسط هذه الفوضى، كان من الواضح أن الحكومة الجديدة، بقيادة الرئيس أحمد الشرع، تسعى لاستعادة السيطرة على كامل الأراضي السورية، بما في ذلك المناطق التي تسيطر عليها قسد بدعم أمريكي منذ سنوات. وبحسب ما أفاد عبد العظيم محمد، مدير مكتب الجزيرة في أنقرة، في تقرير نشرته الجزيرة يوم 10 مارس 2025، فإن المفاوضات بدأت بضغط أمريكي واضح، حيث وصل مظلوم عبدي إلى دمشق على متن طائرة أمريكية قبل أكثر من شهرين. لكن الشرع، في موقف يعكس حرصه على إبقاء الاتفاق في إطار وطني، رفض التفاوض بحضور ضابط أمريكي، مفضلاً أن تكون المحادثات بين السوريين أنفسهم.
بنود الاتفاق: مكاسب وتنازلات
تضمن الاتفاق تسع نقاط رئيسية تم التوافق عليها، فيما أُرجئ نقاش نقطة واحدة إلى وقت لاحق. من أبرز هذه البنود:
- دمج قسد في الجيش السوري: وهي خطوة تعني نهاية الاستقلال العسكري لقسد ككيان منفصل، حيث ستصبح جزءًا من وزارة الدفاع.
- حقوق الأكراد: تعهدت الحكومة بمنح الأكراد المواطنة الكاملة وحق المشاركة السياسية، مع ضمانات لتمثيلهم في مؤسسات الدولة بناءً على الكفاءة، رافضة أي شكل من المحاصصة العرقية.
- السيطرة على الموارد: ستعود إدارة المعابر الحدودية وحقول النفط والغاز في الشمال الشرقي إلى الدولة، وهو ما يعزز سيطرة دمشق على مصادر الثروة الوطنية.
- وقف القتال: التزام الطرفين بوقف شامل لإطلاق النار، مما يفتح الباب أمام استقرار الأوضاع الأمنية.
لكن النقطة العالقة، كما أشار تقرير الجزيرة، تتعلق بمصير سجون تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، التي تسيطر عليها قسد وتضم آلاف السجناء. بينما تصر قسد، بدعم أمريكي، على بقاء هذه السجون تحت إدارتها، يرى الشرع أن هذا الملف يحتاج إلى مزيد من الوقت للحسم، مفضلاً التركيز على تنفيذ بقية البنود أولاً.
المواقف والتداعيات
أظهر الرئيس الشرع مرونة كبيرة خلال المفاوضات، حيث قدم تنازلات تهدف إلى استقطاب قسد نحو الدولة السورية، مؤكدًا في الوقت ذاته رفضه لأي دعوات تقسيم أو خطابات كراهية. من جانبه، يبدو أن مظلوم عبدي وافق على الاتفاق بعد ضمانات بحقوق الأكراد، رغم أن دمج قواته في الجيش السوري قد يثير مخاوف لدى قاعدته الشعبية.
على الصعيد الدولي، يتوقع أن ترحب الولايات المتحدة بالاتفاق، إذ يتماشى مع خططها للانسحاب من سوريا بعد ضمان استقرار المنطقة. لكن تركيا، التي تعتبر قسد تهديدًا أمنيًا، قد تجد في دمجها بالجيش السوري فرصة لتهدئة مخاوفها، على الرغم من أن رد فعلها الرسمي لم يتضح بعد.
تحديات التنفيذ
رغم الأمل الذي يحمله الاتفاق، فإن نجاحه يبقى رهينة التزام الطرفين بتنفيذ بنوده. مسألة سجون داعش، على سبيل المثال، قد تتحول إلى عقبة كبيرة إذا لم يتم حلها سريعًا. كما أن الاضطرابات الداخلية، مثل التمرد في اللاذقية، قد تؤثر على قدرة الحكومة على فرض سيطرتها الكاملة.
ختاماً
يُعد الاتفاق بين دمشق وقسد خطوة جريئة نحو توحيد سوريا تحت قيادة واحدة، لكنه ليس نهاية المشوار. ففي بلد مزقته الحرب والانقسامات، يتطلب بناء الاستقرار جهودًا مضنية وتضحيات من جميع الأطراف. هل سيكون هذا الاتفاق بداية لعهد جديد من الوحدة، أم مجرد محطة عابرة في مسلسل الصراعات؟ وما هو الموقف التركي من الاتفاق؟ الإجابة ستتضح مع الأيام.