لم تكن هذه الصفة لتنطبق على اي من الحروب التي شهدها العالم الاسلامي طوال العقدين الماضيين. في افغانستان إمتنع الروس عن المشاركة. في العراق أحجم الفرنسيون عن المساهمة. في سوريا خرج العالم كله الان الى القتال. حتى الصين قررت كما يقال إرسال وحدات مراقبة ومساندة!
عدد الدول المحاربة بات يفوق حتى عدد تلك التي خاضت مباشرة الحربين العالميتين الاولى والثانية. اكثر من ستين بلداً تحارب الان في سوريا. والرقم يرتفع بشكل يومي وهو لا يستثني سوى دول افريقيا واميركا اللاتينية، التي لم تدع الى الحرب، ربما لان سماء المعركة أصغر من ان تستوعب هذا الحشد الهائل من الطائرات والطيارين والفنيين والمراقبين الجويين، ولان جبهة القتال أضيق من ان تحتمل هذا الكم الكبير من الصواريخ والقنابل الموجهة..وطبعا البراميل المتفجرة.
هي حرب عالمية بكل ما للكلمة من معنى.. باستثناء تفصيل بسيط هو ان العدو المواجه لتلك الدول الستين، هو خليط من ضباط وجنود سابقين (عراقيين) ومتطوعين عرب وأجانب، لا أحد يعرف بالضبط عدد افراده، المقدر بعشرات الالاف، ولا أحد بالضبط يجهل مواقع انتشاره (العلني والمشكوف). لا يمكن إعتبار هذا العدو الذي تتسابق كبرى دول العالم على قصفه من الجو، جيشاً نظامياً تقليدياً جراراً كالجيش الالماني النازي او حتى مليشيا متماسكة ومنضبطة، كحركة طالبان الأفغانية على الاقل، او حتى كأي من المليشيات التي انتجتها الحروب العراقية المتلاحقة.
مع ذلك، فان العالم كله من دون استثناء عمد الى تحويل ذلك العدو الى أسطورة القرن الحادي والعشرين، فأعلن حالة التأهب القصوى لمواجهة الخطر الكوني، الذي لم يهدد أياً من العواصم الكبرى، على غرار ما فعل سلفه تنظيم القاعدة مثلا، والذي لم يفلح لا في تهديد بغداد ولا دمشق، ولن يفلح أبداً، والذي لم يصمد في أي إشتباك بري جدي يلي في العادة تقدم “إنغماسييه” بدباباتهم وشاحناتهم المفخخة..
إنعقد مجلس الامن الدولي مراراً وتكراراً وتحول ذلك العدو الاسطوري الى بند رئيسي على جدول أعمال مختلف المؤسسات والهيئات العالمية والقارية وكابوس يؤرق ليل بني البشر جميعاً، وينذر كوكب الارض بخراب عميم.. مع ان مغادرته بقعة الفراغ المحددة له سلفاً ما بين سوريا والعراق تزداد استحالة يوما بعد يوم.
العالم لا يمزح ولا يمثل ولا يخادع، ولا يلعب لعبة الحرب. ثمة غارات جوية متلاحقة تشن في هذه اللحظات من قبل طيارين يقودون أسراباً من الطائرات الأقوى والأحدث والأدق، ويصورون أهدافهم قبل التدمير وبعده، لتوزيعها على محطات التلفزيون.. ويتبارون فقط في إتهام زملائهم الآخرين بانهم غير جديين في الحرب او حتى غير معنيين بهزيمة ذلك العدو.
روسيا قررت ان تثبت هذا الاتهام، وان تبرهن على مهارة وكفاءة سلاحها الجوي، وان تشكل غطاء للنظامين المتهاويين في كل من دمشق وبغداد.. وان تختبر ذلك العدو الذي لم يقل شيئاً حتى الان ولم يقدم على أي خطوة للرد على تلك الحرب العالمية الثالثة التي أعلنت ضده. ما زال يصعب التكهن في ردود فعله، الغريبة عادة. لكن المؤكد انه يشعر بالفخر لانه إستحق إجماعاً عالمياً لم يحققه أي من أسلافه من أسامة بن لادن الى الزرقاوي، ما يؤهله لاستقطاب المزيد من المحاربين. ما يفكر به الان على الارجح هو ان يكلف مقاتليه بان يراقبوا السماء جيداً، ويدققوا في هوية الطائرات المغيرة عليهم، ويكتبوا تقييمهم لمستوى أداء الطيارين الروس او الاميركيين..وجديتهم!
اما الزعيم نفسه، فانه على الارجح يخطط الآن لإحراق طفل او إغتصاب طفلة..ويتحدى العالم ان يقوم بالمثل.