تُعَد مناجم الذهب في الجزائر من العلامات المضيئة التي تزخر بها الدولة؛ إذ تتمتع بثروات وكنوز جمّة، لكن رغم ذلك فإن محاولات سرقة تلك الثروة ونهبها لا تتوقف.
وتمتلك الجزائر من المعادن التي تدخل في خانة ندرة التركيب والإنتاج وارتفاع أسعارها، ما يجعلها تتصدّر قائمة الترتيب أفريقيًّا، من حيث قيمة الاحتياطي، على غرار الذهب الذي قُدِّر حسب آخر إحصائيات “المنظّمة العالمية للذهب” بـ173.6 طنًّا، بينما تحتلّ المرتبة الثالثة عربيًا، في قائمة الدول التي تمتلك أكبر احتياطي ذهب، بعد المملكة العربية السعودية ولبنان.
غير أن هذه الإحصائيات شبه ثابتة، على الرغم من عمليات التنقيب والإنتاج السنوية، وتتذيّل بذلك الجزائر ترتيب الدول المنتجة للذهب في القارة الأفريقية التي تتنافس على عرش الإنتاج، كدولة غانا التي أزاحت مؤخرًا دولة جنوب أفريقيا من أعلى تصدّر لإنتاج المعدن الأصفر أفريقيًّا.
ثبات احتياطي الذهب في الجزائر، وعدم تدارك السلطات الجزائرية للوضع سابقًا، واستغلال هذه الثروة، كل ذلك جعل من التنقيب عن الذهب موضوعًا مثيرًا للجدل للكثير من المختصّين الاقتصاديين في الجزائر، الذين طالبوا بقطع دابر التنقيب العشوائي وغير الشرعي، الذي تضاعف في السنوات الأخيرة بقوة في الصحراء الجزائرية، بعدما تحوّلت مناطق واسعة في أقصى جنوب الجزائر إلى عنوان للبحث عن الثراء السريع، بالتنقيب العشوائي عن هذه المادّة النفيسة، التي لم تسلم حتى من المهاجرين السريّين الحاملين لجنسيات أفريقيّة مختلفة، رغم المحاولات الجادّة من الجيش الجزائري للقضاء على الظاهرة، وتوقيف المخالفين مع حجز المئات من آلات الحفر والتنقيب عن المعادن في كل سنة، خصوصًا أن القانون الجزائري يمنع استغلال المعادن الطبيعية، ويَعُدها ملكًا للدولة، حتّى لو كانت في ملكية خاصة.
التنقيب عن الذهب في الجزائر
تعكف الحكومة الجزائرية، في إطار برنامج جديد، على دراسة إمكانات استغلال مناجم الذهب الموجودة في جنوب البلاد، والاعتماد على الاستغلال الأمثل لجميع الثروات الطبيعية والباطنية الموجودة على أرض الجزائر.
وأعلن وزير المناجم الجزائري، محمد عرقاب، في لقاء تلفزيوني، الشروع، خلال شهر سبتمبر/أيلول 2021، في استغلال مناجم الذهب في الجزائر عبر مرحلتين.
وقال: “إن المرحلة الأولى التي جرت المصادقة عليها من طرف مجلس الوزراء، تتمثّل في الاستغلال الحرفي للمنجم، عبر مجموعة تعاونيات تتشكّل من شباب المنطقة، لديهم خبرة ستُدعَم بتكوين خاص من قِبل الشركة الجزائرية لاستغلال مناجم الذهب (لشركة) إينور”.
وأضاف: “ستُخَصَّص مساحات للتنقيب عن الذهب بطرق حرفيّة لكل تعاونية، وستسترجع شركة “إينور” العمومية حجارة الذهب وتعالجها، مع دفع ثمنها لأصحاب التعاونيات”، مؤكدًا “أن الهدف من هذه الخطوة القضاء على الاستغلال غير القانوني والتهريب، وأن الدولة سترافق هؤلاء الشباب، وتمدّهم بالتكنولوجيا اللازمة؛ لأن الاستغلال الحرفي لا يعني الطريقة التقليدية”.
أما فيما يخص المرحلة الثانية؛ فأفاد وزير المناجم بـ”أنها تُعنى بالاستغلال الصناعي للمنجم، وستكون في وقت لاحق، بعد تهيئة كل الموارد والإمكانات، من خلال دفتر شروط، والبحث عن شركاء للاستغلال الباطني للذهب”. وأضاف عرقاب: “رئيس الجمهورية طلب مني الانطلاق بسرعة في هذه العملية، لتكون الانطلاقة الفعلية شهر سبتمبر/أيلول المقبل”.
تطوير قطاع المناجم في الجزائر
خريطة الطريق التي صدّق عليها مجلس الوزراء، الخاصة بقطاع المناجم، قال عنها عرقاب، إنها ترتكز على 4 محاور أساسية، “أولها التأكد والتعرف على المجال المنجمي الجزائري، من خلال خريطة دقيقة البيانات، تكشف عن المعادن الموجودة في الجزائر، ثم الاستثمار فيها، والبحث عن شراكة مع مستثمرين متمكّنين من التكنولوجيات العالية”.
وأضاف الوزير: “الجزائر تحتوي على قرابة 1700 مادة معدنية؛ منها مكتشفة، ومنها غير مكتشفة، في وقت تستورد فيه الجزائر نحو 40 مادة من الخارج؛ ما يكلف الدولة قرابة مليار دولار”.
ويتمثل المحور الثاني في الاستثمار في المكامن الموجودة، والانطلاق بسرعة في استغلالها وتطويرها، ويتعلق المحور الثالث بتطوير العنصر البشري؛ حيث قال الوزير: “جرى الاتصال بالخبراء الجزائريين الموجودين بالخارج، الذين أعطوا موافقتهم للمساعدة في تطوير هذا المجال”. في حين أن المحور الأخير يتمثل في إعادة النظر ببعض بنود قانون المناجم الجزائري، ليكون أكثر تفتحًا وأكثر جاذبية للمستثمرين.
المناجم الكبرى للذهب في الجزائر
يُعَد منجم الذهب “أمسمسا”، الواقع على بُعد 460 كيلومترًا غرب ولاية تمنراست، أقصى جنوب البلاد، والذي اكتُشِف وطُوِّر بواسطة شركة GMA Resource Plc، الأكثر إنتاجًا للذهب في الجزائر؛ حيث تبلغ ودائع الذهب فيه قرابة 70 طنًا، ويبلغ حجم الاحتياطات فيه نحو 3.38 مليون طن، وهو عيّنة لأحد المناجم المنتشرة بمنطقة الأهقار جنوب الجزائر، ذات التضاريس الجيولوجية الصعبة، والتي يوجد بها العديد من الثروات والمعادن الثمينة.
أما منجم تيراك؛ فتبلغ الاحتياطيات به 730 ألف طن، في حين أن احتياطيات منجم تيريرين الواقع على بُعد 450 كيلومترًا شرق ولاية تمنراست، تصل إلى قرابة 100 ألف طن، وتُقَدر الاحتياطيات بمنجم أبيجاي بقرابة 3 ملايين طن، في حين كشف العديد من المختصين عن أن الجزائر تمتلك مخزونًا كبيرًا من الذهب، قدره المختصون بـ200 طن، قادر على خلق ثروة صافية بقيمة 10 مليارات دولار، غير أن تدني نسبة الإنتاج السنوي جعل الجزائر تتكبد خسائر كبيرة.
ثروة الجزائريين الضائعة
على مدار أكثر من 10 سنوات من الآن، لا يزال احتياطي الذهب في الجزائر مستقرًا، رغم عمليات التنقيب والإنتاج في مناجم الذهب في الجزائر، بأقصى الجنوب، لتراوح بذلك مستويات احتياطي الذهب مكانها؛ ليكون السؤال المطروح لدى الجزائريين هو وجهة الذهب، وهل أضحى الذهب في الجزائر ثروتهم الضائعة؟
وكشفت آخر الأرقام التي أقرها “المجلس العالمي للذهب” عن ثبات احتياطي الجزائر عند 173.60 طنًا دون تغيير، منذ سنة 2009، وهي الإحصائيات التي عدَّها الجزائريون بمنزلة الصدمة، عقب توقعات ببلوغ مستوى الإنتاج 3 أطنان سنويًا.
واقع أثار التساؤلات لدى بعض المختصين حول مصير الإنتاج الإضافي لمناجم الذهب الجزائرية على مدار 10 سنوات، في حين يعتقد خبراء جزائريون آخرون -بناءً على الأرقام المقدمة- أن سبب ثبات مستوى احتياطي الذهب في الجزائر على مدار عقد من الزمان، يعود إلى ضعف الإنتاج الذي انتقل من أكثر من طن سنة 2009 إلى 286 كيلوغرامًا السنوات الماضية.
بينما يُرجِع آخرون أسباب ضعف الإنتاج إلى تقهقر الوضعية المالية للشركة الجزائرية لاستغلال مناجم الذهب “إينور”، بعد دخولها الإنعاش من خلال وضعية حرجة ناتجة عن عقود شراكات فاشلة أبرمتها مع شركة أسترالية، بين عامي 2011 و2013، لاستغلال منجمي الذهب بتيراك وأمسمسا في مقاطعة تمنراست أقصى جنوب البلاد، قبل أن تقرر الشركة الأسترالية التخلي عن شراكتها، ومغادرة الجزائر، سنة 2012، تاركةً وراءها شركة “إينور” الجزائرية غارقة في الديون، بسبب صفقات وهمية أشار إليها المدير الجهوي السابق للشركة الجزائرية “إينور” بمقاطعة تمنراست، سنة 2013، لوسائل إعلام جزائرية.
نهب وبحث عن الثراء
تواجه السلطات الأمنية والعسكرية تحديات لوقف نهب المعدن الأصفر من الصحراء الجزائرية، التي أضحت تُسيل لعاب الباحثين عن الثراء، عبر التنقيب غير الشرعي عن الذهب؛ لتتشكل في البلاد “مافيا” تهدد الاقتصاد الجزائري.
وتشير الأرقام إلى ارتفاع متزايد للبحث والتنقيب غير الشرعي والعشوائي عن الذهب في أقصى الصحراء الجزائرية؛ حيث توقف مفارز الجيش سنويًا المئات من المنقبين غير الشرعيين عن الذهب.
كما يتحدى العديد من الأفارقة من الدول الحدودية الجنوبية للجزائر والقادمين من دول الجوار، خصوصًا من دولة “النيجر”، كل العوامل القاسية التي تعرفها الصحراء الجزائرية، بدءًا من لهيب الحر الذي قضى على بعضهم عطشًا، بحثًا عن بريق الذهب الأصفر؛ حيث يدخل منقبو الذهب الأفارقة من النيجر إلى الجزائر؛ نظرًا لأن الجنوب الشرقي الجزائري امتداد لمناجم الذهب في شمال النيجر.
إذ ينتشر عشرات الآلاف من المنقبين عن الذهب الأفارقة، خاصةً من تشاد والسودان والنيجر ومالي، في منطقة “دجادو” شمال النيجر، والتي لا تبعد عن الحدود الجزائرية سوى 200 كيلومتر، بينما تعمل السلطات الجزائرية على الحد من عمليات التنقيب السري عن الذهب، بعدما أصبح يشكل تهديدًا للاقتصاد الوطني، من خلال ضرب احتياطي الذهب من جهة، واستنزاف الثروات من جهة أخرى.
المناجم.. قطاع يعج بالكثير
تُعَد مسألة المناجم قضية حيوية؛ لكونها ثروة طبيعية لمواد وأحجار نفيسة موجودة في المجال البري السطحي والباطني والمجال البحري وملكية عمومية، وجبت حمايتها واستغلالها الأمثل وللصالح العام، حسبما يبينه الخبير الاقتصادي، أحمد سواهلية، لـ”الطاقة”؛ إذ يشير إلى أنه “وجب الأخذ بعين الاعتبار النشاط المنجمي عند دراسة الخطط الاقتصادية وتنفيذها؛ لما له من أهمية بالغة، نظرًا لما يتوافر في الجزائر من مقومات ومخزونات منجمية مهمة يُتخوف من نفادها أو تلفها؛ الأمر الذي استدعى تفريدها بقطاع وزاري منفصل.
ويقول سواهلية إن “الواقع يتطلب مراجعة القوانين المنظمة لهذا النشاط، وإعادة النظر في بعض تفاصيلها، كتصنيف المواقع، إضافة إلى مراحل الاستغلال للمواقع المنجمية القبلية والبعدية، كما يتوجب إنشاء مدارس ومعاهد لتكوين الإطارات، وتوفير كتلة بشرية علمية مؤهلة لتأدية هذا النشاط، والحفاظ على المواقع والبيئة والتراث”.
المصدر: الطاقة