الرئيسية » قرية المزرعة ..والمجزرة التي لم يستخدم فيها أي سلاح

قرية المزرعة ..والمجزرة التي لم يستخدم فيها أي سلاح

قرية المزرعة ..والمجزرة التي لم يستخدم فيها أي سلاح
تقع قرية المزرعة على الطريق بين مدينة السفيرة وبلدة خناصر في ريف حلب الجنوبي . قرية صغيرة أغلب بيوتها من الطين وأهلها فقراء تبدو علامات البساطة عليهم. سمعنا عدة روايات عن مجزرة حصلت في هذه القرية ونقلناها سابقا دون أن نتمكن من الوصول إلى القرية أو مقابلة أحد من الأهالي.
ف-ي اليوم التالي لتحرير الثوار لبلدة خناصر وبتاريخ 27-8-2013  ذهبنا إلى هناك -لمعرفة حقيقة ما جرى. كان هناك بعض أهالي القرية الذين عادوا لتفقد بيوتهم. وبعضهم وقف بصمت قرب أحد الآبار. سألنا أحد الرجال هناك عما حدث فقال: "لم أكن موجودا في القرية ولو كنت فيها ذلك الوقت لما رأيتموني. ولكن النساء اللواتي شاهدن ما حصل روين القصة لي. حيث جاء الشبيحة من بلدة خناصر المحتلة إلى قريتنا في بتاريخ 21-6-2013 وأخبروا الأهالي أن الوضع جيد وأنهم يريدون إجراء بعض التحقيقات الاعتيادية. فكانوا يطلبون من كل رجل في القرية أن يذهب معهم إلى الضابط للتحقيق, فيأخذون الرجال بكل هدوء إلى بئرين موجدين في القرية. كان المعتقلون معصوبي الأعين ويظنون أنهم ذاهبون إلى التحقيق فإذا بالشبيحة يلقونهم في البئر, ثم يأتي دور الثاني والثالث وهكذا, حتى ألقوا بثمانية وخمسين شخصا في بئرين من آبار القرية. بجوار هذا الرجل كان هناك امرأتان, إحداهن ألقى الشبيحة بأولاها الأربعة في البئر والثانية ألقوا بابنها الوحيد. وتقول الأخيرة أن ابنها كان يريد الالتحاق بالجيش الحر لكنها كانت تمنعه خوفا عليه, وهي الآن تتمنى لو أنه مات وهو يقاتل أولئك المجرمين بدل أن يلقى في البئر ويبقى حيا يصرخ لأيام دون أن تقدر على فعل شيء لمساعدته حتى مات أخيرا. فبعد أن جمع الرجال للتحقيق رأت إحدى النساء من بعيد ما كان يحصل, كان الرجال يلقى بهم في البئر واحدا تلو الآخر, حينها هربت النساء من القرية خوفا مما قد يحصل لهن. 
أخبرنا أحد شباب القرية عن امرأة طلب منها الشبيحة أن تذهب للتحقيق عند الضابط قبل المجزرة بأيام فرفضت فأخذوها إلى أحد المنازل وأحرقوها. ذهبنا إلى ذلك المنزل فلم نر سوى آثار رماد وعظام.
وعندما ذهبنا إلى البئر الثاني في القرية كان بجواره منزل محروق. وجدنا صاحب هذا المنزل الذي فقد 18 فردا من أسرته. ولدى سؤاله عن أسرته أجاب:
 "كلهم ألقوا في ذلك البئر, كنت أعمل في لبنان ولو كنت هنا لألقيت معهم. في هذا المنزل الذي ترونه محروقا, أعد والدي قبل يوم من المجزرة مأدبة للشبيحة بعدما لاحظ أنهم يخططون لعمل ما لعله يتجنب أذاهم. وفي اليوم التالي حرقوا منزله وألقوا به وبأخوتي وأولادي في هذا البئر. أنا  أعرف بعض الشبيحة المتواجدين في خناصر, منهم من الحميدية في طرطوس ومنهم من السلمية وهناك من أهالي خناصر من يتعاونون معهم ويرأسهم ضابط يدعى سهيل الحسن. عندما سمعت بالمجزرة عدت من لبنان مع ابن عمي لنرى ما حل بقريتنا ونجونا من القتل في خناصر بعد أن تعرف علينا أحد الشبيحة وكان من أصدقائي قبل الثورة وسمح لنا بالمرور. وصلنا القرية في النهار ولم نجد في القرية سوى كلبنا. عندما رآني راح يركض نحو البئر ويشير إليه ثم يركض باتجاهي ثم يعود إلى البئر. ذهبت إلى هناك لأرى ما القصة فإذا بي أسمع صوت أحد أقاربي في الأسفل. سألته من هنا فأجاب من داخل البئر: كل أهلك وأقاربك هنا ماتوا لم يبقى غيري أنا وابن عمك على قيد الحياة أخرجنا من هنا. فذهبت أنا وابن عمي القرية وأحضرنا حبلا وألقيناه إليهما وأخرجناهما. أما ابن عمي فما كاد يصل إلى وجه الأرض ويرى أخاه حتى مات. وقريبي الآخر بقي حيا ولازال حتى الآن وهو يعيش في قرية غربي حلب. وقد حدثنا بالكثير مما حصل داخل البئر. حيث بقي 8 أيام في البئر وشاهد أهالي القرية يموتون واحدا بعد الآخر. وكان أول من ألقي في البئر طفل يبلغ العاشرة من عمره واسمه عمر. حيث سأل الضابط أين عمر أأتوني به فسيكون أول من أحقق معه. والتحقيق هنا يعني الإلقاء في البئر حيا "
كان الجميع يتحدث بحرقة وألم. لم نكن مستغربين من حديثهم فهذه ليست أول مجزرة تحدث في منطقة السفيرة بل سبقها قصص مشابهة في عدة قرى كالجنيد وأم عامود والملكية.
ولكن من تبقى من أهالي القرية لا يخفوون فرحتهم بتحرير خناصر والقرى المجاورة لها حيث قتل مئات الشبيحة. وبعد ما علموا بوجود 100 جثة للشبيحة في خناصر وحدها فإن أحدهم يحاول الطلب من الثوار بالسماح له بإلقاء جثثهم في أحد الآبار انتقاما منهم. والمرأة التي قتل ابنها الوحيد تطلب أيضا تسليمها أحد الأسرى لتلقيه في البئر حيا عل ذلك يشفي غليلها. ولكن ذلك يبقى مجرد طلب يصعب تحقيقه على ما يبدو في ظل غياب مبدأ الانتقام عند الثوار الذين رفضوا تحقيق مطالب أهالي القرية.
تركنا القرية بينما كان من تبقى من أهلها يتناقشون فيما إذا كان من الواجب عليهم استخراج الضحايا من الآبار ودفنهم وهذا يبدو أمرا شاقا أو ردم الآبار على الضحايا. تركناهم على أمل أن نمر من هنا يوما لنرى أن هذه القصص أصبحت من الماضي وأن الأهالي قد وجدوا ما ينسيهم على الأقل بعضا من هذه الذكريات المريرة.