أقرت الحكومة السويدية بناء منشأة تخزين للاحتفاظ بالوقود النووي المستهلك في البلاد في مكان آمن لمدة 100 ألف عام مقبلة.
ولطالما كان التصرف في النفايات النووية مبعث قلق كبير منذ بدء تشغيل أولى المحطات النووية في العالم في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي.
وتشير تقديرات الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أن هناك ما يقارب 370 ألف طن من الوقود النووي المستهلك عالي الإشعاع مخزنة في منشآت مؤقتة حول العالم.
وقالت وزيرة البيئة أنيكا ستراندهول للصحفيين في مؤتمر صحفي”يجب أن يتحمل جيلنا المسؤولية فيما يتعلق بالنفايات النووية. هذه المنشأة تتويج لأربعين عاما من الأبحاث وستكون النفايات آمنة لمدة 100 ألف عام”.
وأضافت “هذا هو الحل لتخزين الوقود النووي المستهلك بشكل نهائي. ومن خلال تلك الطريقة، سنضمن أنه بإمكاننا استخدام ما لدينا من طاقة نووية في إطار التحول لأن نصبح أول دولة متقدمة خالية من الوقود الأحفوري حول العالم”.
أنتجت محطات الطاقة النووية في السويد حوالي ثمانية آلاف طن من النفايات عالية الإشعاع، بما فيها الوقود المستهلك، منذ أن بدأت العمل في السبعينيات من القرن الماضي.
اقرأ أيضاً: أثرياء العالم يتنافسون على الطاقة النووية.. بيل غيتس وبيزوس في المقدمة
دخل أثرياء العالم في سباق جديد نحو الطاقة النووية التجارية، عبر جولات تمويل لشركات تعمل على تكنولوجيا ثورية، تحمل الكثير من المخاطر.
يأتي ذلك، بعد أن جمعت شركة جنرال فيوجن 130 مليون دولار من مستثمرين من بينهم الملياردير جيف بيزوس للمساعدة في تطوير مفاعل نووي تجاري.
وقالت الشركة في بيان إن جولة التمويل من السلسلة E شملت بنك تنمية الأعمال في كندا، وصندوق التحوط سيغرا كابيتال مانجمنت والعديد من المستثمرين من المكاتب العائلية.
وتعد جنرال فيوجن جزءا من موجة متنامية من شركات التكنولوجيا التي تسعى إلى توليد الكهرباء باستخدام الاندماج النووي، وهي العملية التي تزود النجوم بالطاقة.
وقالت الشركة في يونيو إنها ستبدأ العام المقبل في تشييد أول مصنع تجريبي لها في المملكة المتحدة.
على الجانب الأخر شارك المليارديران، بيل غيتس، وجون دوير، في جولة تمويل لشركة كومنولث فيوجن سيستمز، والتي جمعت 1.8 مليار دولار، وهي أكبر صفقة تمويل في مجال الاندماج النووي.
وقادت شركة تايغر غلوبال مانجمنت جولة التمويل من السلسلة B، وجذبت داعمين جدد من بينهم شركة تايم فينشرز، التابعة للمليادير مارك بينيفز، وشركةEmerson Collective.
وستستخدم الشركة التي يقع مقرها في كامبريدج، ماساتشوستس الأموال لبناء وتشغيل نظام تجريبي والبدء في بناء مفاعل اندماج تجاري قد يكتمل في أوائل عام 2030.
وجمعت الشركة أكثر من 2 مليار دولار منذ تأسيسها في 2018 بعد أن انفصلت عن معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.
بدوره، قال الرئيس التنفيذي لشركة كومنولث فيوجن سيستمز، بوب مومغارد: “العالم مستعد للقيام باستثمارات كبيرة في الاندماج التجاري كجزء أساسي من تحول الطاقة العالمي”.
كهرباء الحمل الأساسي
وتستخدم المحطات النووية التقليدية الانشطار، وهي عملية انقسام الذرات، لتوليد الطاقة. فيما يعد الاندماج العملية العكسية، حيث يعتمد على التقاط الطاقة التي يتم إنتاجها عندما تصطدم الذرات ببعضها وتندمج في عناصر أثقل.
الجدير بالذكر أن الطاقة النووية هي المصدر الوحيد الذي يمكنه توليد كميات كبيرة من الكهرباء – تعرف بكهرباء الحمل الأساسي – على نحوٍ موثوق دون انبعاث أي غازات ضارة مثل غازات الاحتباس الحراري.
إضافةً لذلك، تعدّ الطاقة النووية من المصادر التي تقلّ فيها بشدّة الآثار البيئية سواءً على الأرض أو الموارد الطبيعية، من بين جميع مصادر إنتاج الكهرباء الأخرى.
هذا وقد قدمت الطاقة النووية للعالم مصدرًا موثوقًا وفعّالًا للكهرباء، واليوم توجد أكثر من 400 محطة نووية في أكثر من 30 دولة حول العالم.
اقرأ أيضاً: المفاعلات النووية الصغيرة تنافس مصادر الطاقة المتجددة في توفير الكهرباء
على الرغم من المخاوف التقليدية التي تعلنها مجموعات حماية البيئة من المفاعلات النووية، نتيجة كارثتَيْ مفاعل تشيرنوبيل السوفييتي وفوكوشيما الياباني اللتين يفصل بينهما ربع قرن، تُعَد الطاقة النووية المصدر الوحيد المحايد كربونيًا الذي يمكنه توفير الكهرباء دون انقطاع.
يأتي ذلك في ظل قصور طاقة الرياح والطاقة الشمسية، على الرغم من التقدم الحاصل في تقنياتهما، عن توفير الكهرباء عند الحاجة نظرًا لطبيعتها المتقطعة ولغياب وسائل كافية لتخزين الكهرباء.
في المقابل، تلقى الحجج المناهضة للطاقة النووية أصداء لدى المتشككين في معالجة نفاياتها وتكلفتها وتعقيدها؛ حيث تتجاوز مشروعاتها التكاليف ومدة التنفيذ، بينما تميل صناعة الطاقة النووية ومؤيدوها إلى تجاهل تلك الحجج والمخاوف، وفقًا لما نشرته صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية.
استثمارات الطاقة النووية في بريطانيا
تبدي بريطانيا حرصها على الطاقة النووية، من الناحية النظرية على الأقل؛ حيث منحت الحكومة الإذن لبناء 8 من المفاعلات النووية الجديدة في إنجلترا وويلز، في عام 2010، في إطار جهودها لإزالة الكربون من قطاع توليد الكهرباء.
وتبيّن لاحقًا أن تنفيذ بناء تلك المفاعلات النووية ينطوي على صعوبات تتمثل في التأخير وتجاوز الموازنة؛ حيث بنِيت محطة واحدة في هينكلي بوينت على ساحل سومرست، بعد عقد من الزمن.
وتجدر الإشارة إلى أن البناء لم يبدأ، إلا أن الوزراء ألزموا المستهلكين، في عام 2013، بدفع سعر ثابت لشركة إليكتريسيتيه دو فرانس (إي دي إف) الفرنسية التي تبني المحطة، وهو أعلى بكثير من السعر الساري للكهرباء في أول 35 عامًا، حسبما نشرته صحيفة إيكونوميست البريطانية.
المفاعلات النووية الصغيرة الجديدة
تعتقد شركة رولز رويس الهندسية الكبرى أن بوسعها تنفيذ بناء المفاعلات النووية تنفيذًا أفضل من غيرها، وأعلنت أنها جمعت 195 مليون جنيه إسترليني (263 مليون دولار) من مستثمرين من القطاع الخاص؛ لتصميم وتركيب جيل جديد من نحو 16 مفاعلًا نوويًا صغيرًا.
وشارك في التمويل شركة إكيسلون إنرجي الأميركية وشركة بي إن إفريسورسز التي تدعمها عائلة بيرودو الفرنسية ذات الاستثمارات النفطية.
وأشارت شركة رولز رويس إلى أن تلك المفاعلات النمطية الصغيرة ستكون أرخص من حيث التكلفة وأسرع في البناء من المفاعلات الحالية. ولاقى اقتراح الشركة ترحيبًا بعد التراجع الشديد في أعمالها في مجال الطيران نتيجة تفشي وباء كورونا “كوفيد-19″، وإلغاء 7 آلاف وظيفة جرّاء ذلك.
ولاقى هذا الاستثمار الخاص قبول الحكومة التي قدمت 210 ملايين جنيه إسترليني (281.43 مليون دولار) أخرى؛ حيث يأمل الوزراء في أن تساعد الدفعة الجديدة من محطات الطاقة النووية بريطانيا على خفض الكربون من خلال توفير مصدر ثابت للكهرباء منخفضة الانبعاثات.
يأتي ذلك في مواجهة انقطاعات الكهرباء المولّدة بطاقة الرياح والألواح الشمسية التي عانتها بريطانيا مؤخرًا. وترى شركة رولز رويس أن بوسعها ربط المفاعلات النووية الصغيرة بالشبكة في مطلع عقد الثلاثينات المقبل.
جدير بالذكر أن هذه المفاعلات النووية النمطية الصغيرة لا تعَد فكرة جديدة؛ حيث تستخدمها الصين وروسيا، بالإضافة إلى أميركا وكندا وفرنسا.
وسيوفر المفاعلان النوويان في محطة هينكلي بوينت سي، عند إنجازهما، 3.2 غيغاواط من الكهرباء، وستكون هذه الكمية كافية لتغطية نحو عشر الطلب على الكهرباء في بريطانيا في فصل الصيف.
وتوقع مكتب التدقيق الوطني البريطاني، وهو هيئة تعنى بمراقبة الإنفاق، في عام 2017، أن دعم صفقة السعر الثابت، الممنوحة لشركة إليكتريسيتيه دو فرانس، قد يصل إلى 30 مليار جنيه إسترليني (40.20 مليار دولار) على مدى 35 عامًا من العقد.
وستوفر مفاعلات شركة رولز رويس، التي تعَد كبيرة وفقًا لمعايير المفاعلات النووية النمطية الصغيرة، قدرة توليد 0.47 غيغاواط لكل منها.
وتقدّرالشركة أن المجموعة الأولى من المفاعلات النووية النمطية الصغيرة قد تكلف نحو 2.2 مليار جنيه إسترليني (2.95 مليار دولار).
وتشير تقديرات الشركة أيضًا إلى أن تكلفة المفاعلات اللاحقة يمكن أن تنخفض إلى نحو 1.8 مليار جنيه إسترليني (2.41 مليار دولار).
ويرى مدير مركز أبحاث التصنيع النووي المتقدم في جامعتي شيفيلد ومانشستر البريطانيتين، أندرو ستورَر، أنه بدلًا من بناء المفاعل في الموقع، يمكن تركيب أكبر جزء ممكن منه خارج الموقع، في المصانع، قبل شحن أجزائه للتجميع النهائي.
قصور مصادر الطاقة المتجددة
على الرغم من أن الصناعة النووية وعدت عدة مرات بتوفير مفاعلات رخيصة الثمن؛ فإنها فشلت في توفيرها حتى الآن؛ وترى شركة رولز رويس أن هناك اهتمامًا من بولندا وجمهورية التشيك وتركيا بتلك المفاعلات، مع أن سعر طاقة الرياح والطاقة الشمسية آخذ في الانخفاض.
وقد ترى الحكومة البريطانية أنه ليس لديها خيار سوى الأمل في أن تكون هذه المرة مختلفة؛ حيث أنتجت المحطات النووية البريطانية 16.5% من الكهرباء العام الماضي. ونظرًا إلى أن تلك المحطات تعَد قديمة ومتداعية، فمن المقرر إغلاقها جميعًا باستثناء واحدة بحلول عام 2030.
وقامت بريطانيا بتركيب أساطيل من توربينات الرياح، لكن هدوء الطقس على غير عادته، هذا العام، أدى إلى خفض الإنتاج وأجبرها على الاعتماد اعتمادًا كبيرًا على محطات توليد الكهرباء بالفحم والغاز، حتى مع ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي؛ ما أدى إلى ارتفاع فواتير الكهرباء.
من ناحيتها، عادت انبعاثات الكربون الناتجة عن توليد الكهرباء، التي انخفضت منذ سنوات، إلى الارتفاع.
اعتبارات البيئة والسلامة
تسعى دول عديدة إلى استبدال مصادر الوقود الأحفوري، التي لا تزال تولد ما يقرب من ثلثي الكهرباء العالمية.
وترى مجموعات البيئة ضرورة توسيع الطاقة الكهربائية إلى حد يسمح لها بأن تحل محل النفط والفحم والغاز الذي تحرقه السيارات والمنازل والصناعة، في حين أصبحت العديد من المحطات النووية التي تزود العالم بنسبة 10% من الكهرباء قديمة.
وستواجه مصادر الطاقة المتجددة تحديًا كبيرًا في تحمل أعباء توليد الكهرباء، وسط المطالبات بمنع مبيعات سيارات محرك الاحتراق الداخلي بحلول عام 2035، وإزالة الكربون من الكهرباء العالمية بحلول عام 2040.
وتشير وكالة الطاقة الدولية إلى أن العالم سيحتاج إلى تكثيف بناء محطات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بحلول عام 2030، بحيث تضاف 4 أضعاف سعة التوليد سنويًا كما حصل في عام 2020 الذي حطم الرقم القياسي.
وستتطلب بعض القطاعات، الأقل ملاءمة للكهرباء، أنواعًا بديلة من الوقود، مثل الهيدروجين، أو مصادر التدفئة؛ومن المحتمل أن تكون الطاقة النووية فعالة لإنتاج كليهما، وفقًا لما نشرته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية.
ويرى محللون أن الحوادث المأساوية القليلة للطاقة النووية نجمت عن سوء التدريب وعيوب التصميم وعدم كفاية فهم المخاطر؛ ويتفق العديد من العلماء والأكاديميين على أن التصميمات الحديثة وميزات السلامة والتدريب متفوقة.
وقد تقدمت تكنولوجيا تخزين النفايات أيضًا؛ حيث تضع فنلندا معيارًا معتمدًا للتعامل مع النفايات النووية عالية المستوى من خلال بناء موقع عميق تحت الأرض من المقرر أن يصبح أول مستودع في العالم للوقود النووي المستهلك.
المصدر: موقع الطاقة