أدهشت الناسَ حول العالم الصور المذهلة التي أظهرها تلسكوب “جيمس ويب” الفضائي وتتميز بالدقة الواضحة، ومن المقرر أن يُظهر لنا هذا التلسكوب مزيدا من الصور بمراياه الهائلة القوية التي تلتقط أجزاء من ضوء بعض النجوم والمجرات الأولى في الكون التي جابت الفضاء منذ أكثر من 13 مليار سنة.
وتساءل العديد من المتابعين للأحداث العلمية في العالم عن جدوى إهدار مليارات الدولارات في مثل هذا العمل، وما الذي سيعود على البشرية في وقت يعاني فيه ملايين البشر من فقر مدقع ومجاعات حول العالم.
وللإجابة عن بعض من أسئلتهم الاستنكارية، نشرت وكالة ناسا تقريرا يؤكد على حقيقة يعلمها الكثير، وهي أن تكنولوجيا الفضاء في جميع مراحلها طوّرت المعارف الإنسانية، وطوّرت تكنولوجيات أخرى كثيرة في جميع مناحي الحياة، ومنها التكنولوجيا الطبية، وتصميم الأجهزة الطبية التي تشخّص وتعالج العديد من الأمراض.
في الواقع، غالبا ما يفيد عمل وكالة الفضاء الناس على الأرض. فعلى سبيل المثال لا الحصر، عملت تقنية قياس مرايا الويب على تعزيز دقة جراحة العين باستخدام الليزك، وساعدت التكنولوجيا الجديدة التي طوّرها علماء ومهندسو ناسا أثناء إعداد وتطوير تلسكوب جيمس ويب الفضائي، على إجراء أكثر من 18 مليون عملية ليزك ناجحة، وهي متاحة حاليا لأطباء العيون في 47 دولة في أنحاء العالم.
تقنية تحسّن جراحة العين
وحسّنت التكنولوجيا التي تم تطويرها باعتبارها جزءا من الجهود المبذولة منذ عقود لبناء تلسكوب جيمس ويب الفضائي بالفعل رؤية الملايين من الأشخاص الذين استردوا قدرتهم على الإبصار الجيد من خلال إجراء تحسينات كبيرة على تقنية جراحة العين بتقنية الليزك (LASIK).
وجراحات “تصحيح تحدّب القرنية الليزري الموضعي” (الليزك) هي نوع من الجراحة الانكسارية للعين، والتي حققت إنجازات جيدة، ونادرا ما تحدث مضاعفات تؤدي إلى فقدان البصر.
وقد تم دمج جزء من عملية قياس مرايا ويب في جهاز أستوديو الانكسار “آي ديزاين” (iDesign Refractive Studio)، وهو جهاز من إنتاج شركة “جونسون آند جونسون فيجن” (Johnson & Johnson Vision)، يأخذ قياسات دقيقة للعين لتشخيص العيوب في المسارات البصرية وانحناء القرنية.
ويعد جهاز “آي ديزاين” أحدث جيل في علاجات الليزك المتخصصة، وتعتبر هذه هي التقنية الوحيدة التي تستخدم النهج الطوبغرافي المدمج المتقدم لتصحيح الرؤية ورسم خريطة لسطح القرنية بالكامل. ويقوم النظام أيضا بتعيين المسار البصري بالكامل، ويقيس الانحرافات ذات الترتيب الأدنى والأعلى باستخدام حوالي 1257 نقطة بيانات لالتقاط معظم التشوهات الدقيقة.
ويسمح هذان القياسان التفصيليان معا بتخصيص علاجات الليزك بدقة لم يكن من الممكن تحقيقها في السابق، وسيساعد هذا النظام المرضى الذين تزيد أعمارهم على 45 عاما على رؤية كل من القريب والبعيد بعد جراحة الليزك.
يساعد جهاز “آي ديزاين” الأطباء في تشخيص مشاكل العين والتخطيط لعلاجها (ناسا)
بصمة بصرية فريدة لعين كل مريض
وصف أحد المسؤولين التنفيذيين في شركة “رؤية جونسون وجونسون” المعلومات الناتجة بأنها “بصمة بصرية فريدة لعين كل مريض”، وقد ساهمت تقنية أستوديو الانكسار “آي ديزاين” في نجاح أكثر من 18 مليون عملية ليزك في جميع أنحاء العالم.
وقد بدأت هذه التقنية في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما عملت شركة “ويفرونت ساينسز” (Wavefront Sciences)، ومقرها نيو مكسيكو، مقاولا من الباطن مع وكالة ناسا، لتطوير نظام لقياس الانحرافات في مرايا تلسكوب “جيمس ويب” الفضائي أثناء صقلها وفقا لمواصفات دقيقة.
يقول لي فاينبيرغ، مدير عنصر التلسكوب البصري لتلسكوب جيمس ويب الفضائي في مركز جودارد لرحلات الفضاء التابع لناسا في غرينبيلت بولاية ماريلاند، “كانت المرايا إحدى التقنيات المهمة حقا التي نحتاج إلى تطويرها لتمكين المرصد. كان علينا تلميعها بطريقة تجعلها -عندما تبرد- تكوّن شكل المرآة الذي نريده.. كان علينا أن نطابق انحناء مرآة مع الأخرى، وكانت هذه مشكلة صعبة للغاية”.
وقامت شركة “ويفرونت ساينسز” بدمج بعض الخوارزميات التي طورتها لمرايا تلسكوب جيمس ويب الفضائي في منتج تجاري أطلق عليه اسم “نظام تحليل العيون الكامل”، يمكنه تشخيص حالات العين عن طريق رسم خريطة للقرنية.
وتم تغيير هذه التقنية عدة مرات، وإدخالها إلى نظام أستوديو الانكسار “آي ديزاين” قبل أن تحصل شركة “رؤية جونسون وجونسون” عليها عام 2017، وتحصل على موافقة من إدارة الغذاء والدواء الأميركية في 2018. ويمكن أن تتضمن جراحة الليزك اليوم -بتوجيه من نظام أستوديو الانكسار “آي ديزاين”- أكثر من 1200 قياس لتصحيح الرؤية الفردي الذي يكون سريعا وآمنا أيضا.
حسّنت تكنولوجيا التلسكوب إبصار الملايين على الأرض من خلال تحسين جراحة العيون بالليزك (ناسا)
وعمل كريستيان سانتانا -وهو مهندس كهربائي الآن في شركة “جونسون آند جونسون فيجن”- مع هذه التقنية منذ البداية، حيث ساعد في الأصل على تطوير النظام لقياس مرايا تلسكوب جيمس ويب الفضائي أثناء العمل في شركة “ويفرونت ساينسز” في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
ويتذكر سانتانا أن “ناسا كانت شريكا جيدا للغاية”، مشيرا إلى أن العمل على التلسكوب ساعد الشركة على تحسين الخوارزميات في نظام رسم خرائط العين الذي يبدو أنه غير ذي صلة.
ويقول فاينبيرغ “في النهاية، ساعدت الاستثمارات التي قامت بها ناسا الشركة على تطوير التكنولوجيا لتكون مفيدة لتطبيقات أخرى، ومنها جراحة العيون بتقنية الليزك”.
المصدر: ترجمات – الجزيرة