يتسبب الارتفاع الحاد في أسعار الغاز الطبيعي، بتآكل الأرباح التي تجنيها بعض مصافي النفط من الوقود، مما يجبرها على خفض معدلات المعالجة، وصولاً إلى تغيير أنماط شراء النفط الخام العادية.
ويعد الغاز الطبيعي، الميثان تحديداً، عنصراً أساسياً في صناعة الهيدروجين الذي تعتمد عليه مصافي النفط في آلات إنتاج الديزل، التي تسمى بالتكسير الهيدروجيني والمعالجات المائية، وتساعد على التخلص من الكبريت.
وأدى ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي إلى إضافة نحو 6 دولارات للبرميل إلى تكلفة معالجة المزيد من النفط الخام ذي نسبة الكبريت الأعلى، بزيادة قدرها عشرة أضعاف مقارنة بما كان عليه الحال قبل عامين، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية، بالإضافة إلى إيجاد حالة من عدم اليقين بشأن ماهية إحياء هوامش التكرير، وذلك في مثال آخر على كيفية انتشار أزمة الطاقة عبر الأسواق والصناعات.
وقال كالوم ماكفيرسون، رئيس قسم السلع في “إنفستيك” (Investec): “تصنع المصفاة الأوروبية الهيدروجين عن طريق إعادة تشكيل غاز الميثان بالبخار، وسعر الميثان لا يصدق. إذا كنت في أوروبا أو آسيا؛ فستكون باهظة الثمن للغاية، لذا من المحتم أن يكون لها تأثير”.
ماكفيرسون؛ وهو مستشار للدول المستهلكة للنفط، أشار إلى أنَّ الزيادة قد تجعل بعض عمليات التكرير غير مربحة من الناحية النظرية. فتصنيع الهيدروجين عملية تستهلك الطاقة بكثافة.
عقود طويلة الأمد
يبدو حجم المشكلة غير واضح على الإطلاق؛ لأنَّ نسبة غير معروفة من المصافي ستؤمن الغاز من خلال عقود طويلة الأجل، مما يعني أنَّها ليست معرضة للأسعار الفورية، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية. وهذا يعني أنَّ معرفة كيفية تأثر الهوامش الإجمالية بالضبط، أو القرارات التي تتخذها المصافي بشأن اختيار النفط الخام لن تكون أمراً سهلاً.
يقول بعض تجار النفط، إنَّ الارتفاع في أسعار الغاز الطبيعي يؤثر في الدرجات التي تفضِّلها مصافي التكرير، فضلاً عن أنَّ بعض آلات التكسير الهيدروجيني في أوروبا قد تضطر إلى خفض مقدار معالجتها.
وتحوّلت المصافي أيضاً إلى استخدام غاز البترول المسال بدلاً من الغاز الطبيعي في الوحدات التي يتم فيها إنتاج الهيدروجين.
وقال روبرت كامبل، المحلِّل في شركة الاستشارات (Energy Aspects)، إنَّ هذا “يقلل من الكفاءة، ولكن يمكنه خفض التكاليف عند مستويات الأسعار القصوى”.
المسؤول في واحدة من مصافي النفط في البحر الأبيض المتوسط، أكد أنَّ ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي قد يقلل هوامش معالجة النفط بمقدار 3 إلى 5 دولارات للبرميل، مما يضر بالأرباح في الوقت الذي تظهر فيه سوق الوقود علامات واضحة على الانتعاش.
وأكد التجار في أوروبا، أن الطلب على الخامات منخفضة الكبريت قد شهد اهتماماً أكبر مقارنة بالأصناف عالية الكبريت. ستحتاج المنطقة إلى مزيد من الإمدادات من الولايات المتحدة وغرب أفريقيا، وفقاً لتقرير أصدرته “إينرجي أسبكتس” (Energy Aspects).
وقال الباحث في التقرير الصادر بتاريخ 18 أكتوبر: “سيتطلع نظام التكرير الأوروبي إلى زيادة قائمة وارداته من النفط الحلو إلى 47% من 42% حالياً، بسبب هوامش التكرير الصحية، إلى جانب ارتفاع أسعار الغاز الذي يثبط معالجة الخام الحمضي”.
يعادل ذلك حوالي 370 ألف برميل يومياً من واردات النفط الحلو، أي أعلى من المستويات المرتفعة بالفعل التي شوهدت في الربع الثالث، كما تظهر التقديرات.
وبشكل عام، تعززت البراميل الأكثر حلاوة والقادمة من بحر الشمال، التي تحتوي على نسبة كبريت أقل، خلال الأسبوعين الماضيين، وسط شراء قوي من “توتال إينرجيز” (Total Energies)، و”ليتاسكو” (Litasco). عُرضت “فورتيز” (Forties)، وهي درجة أساسية في تحديد سعر النفط القياسي في المنطقة، مؤخراً بعلاوة وصلت إلى حوالي 50 سنتاً للبرميل في نافذة التسعير التي يديرها “ستاندرد آند بورز بلاتس” (S&P Platts)، بزيادة 40-50 سنتاً على السعر قبل 10 أيام مضت.
الولايات المتحدة محمية
على النقيض من ذلك؛ ما تزال بعض الدرجات الحمضية تكافح لتباع، إذ تم بيع خام الأورال الروسي، الذي يحتوي على درجة عالية نسبياً من الكبريت، وغالباً ما يجري التعامل معه في المصافي الأكثر تطوراً ببطء نسبي في الآونة الأخيرة.
وجرى تداوله في آخر مرة بخصم 2.40 دولاراً للبرميل عن سعر خام برنت يوم الإثنين، وهو أضعف بكثير مما كان عليه في هذا الوقت من العام الماضي. وفقاً لـ”إينرجي أسبكتس”، أصبح النفط الخام القادم من الولايات المتحدة وغرب أفريقيا أكثر جاذبية في أوروبا.
بالنسبة إلى مصافي التكرير في الولايات المتحدة؛ تبدو الصورة مختلفة قليلاً. ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي هناك بشكل متواضع أكثر، مما أدى إلى حماية المصانع من ارتفاع الأسعار الذي يؤثر على أوروبا وآسيا. وهذا يعني أنَّه يمكنها الاستمرار في معالجة البراميل التي تحتوي على الكبريت، والتي بدأ تداولها بتخفيضات متزايدة.
وجرى تداول مزيج “مارس”، وهو خام مرتفع الكبريت، بمتوسط خصم قدره 3.29 دولاراً للبرميل على خام لويزيانا الخفيف الحلو منخفض الكبريت هذا الشهر، وهو أكبر فارق بين الدرجتين في العام الماضي.
وقال تجار أمريكيون، إنَّ هذا الوضع يجب أن يحرر صادرات متزايدة من الخامات الأخف، والأكثر حلاوة للتصدير إلى أوروبا وآسيا.
بدوره قال أحد التجار، إنَّ شحنة نادرة من الخام الكندي الحلو الثقيل، التي عادة ما تجد موطناً لها في الخليج الأمريكي، تبحر إلى أوروبا بدلاً عن ذلك.
وقال جوناثان ليتش، المحلل في شركة “تيرنر، ماسون آند كو” (Mason and Co): “تعمل جميع مصافي التكرير على صقل نماذجها بدقة في محاولة للتوصل إلى أفضل طريقة تشغيل تقلل من تكاليف المدخلات، مع مراعاة قيمة المنتجات التي يتم إنتاجها”.
المصدر: بلومبيرغ