منذ البشائر الأولى لوجود غاز ونفط بكميات تجارية في إقليم شرق البحر الأبيض المتوسط نهاية القرن الماضي، سادت حالة من التفاؤل بمستقبل جديد ورخاء يمتد لعقود طويلة، ويستفيد منه الجميع دون استثناء، ليس فقط شعوب ودول المنطقة، بل العالم أجمع.
الكميات التي تتوقعها شركات التنقيب تقول إنها تكفي دول المنطقة من الطاقة لفترة تزيد على 30 عاماً مقبلة، وهي تقديرات تؤكد أن الجميع سيستفيد منها سواء كانت الدول المنتجة أو المستهلكة أو حتى دول العبور، ووفق تقرير هيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية الصادر عام 2010، فإن منطقة شرق المتوسط لديها مخزون هائل من الغاز والنفط، وتعوم على بحيرة ضخمة من الطاقة تصل إلى 3455 مليار متر مكعب من الغاز و1.7 مليار برميل من النفط، تتراوح قيمتها التسويقية ما بين 700 مليار، و 3 تريليونات دولار أمريكي، حسب أسعار الخام المتغيرة.
أهمية شرق المتوسط
هذا ليس كل شيء، فمنطقة شرق المتوسط لها أهمية جيوسياسية، وجيو اقتصادية كبيرة، فهي تتوسط نقاط عبور وموانئ ومسارات بحرية مهمة لنقل الطاقة من الشرق إلى الغرب، كما يمثل الجوار الجغرافي مع القلاع الصناعية في القارة الأوروبية قيمة مضافة لأهمية الغاز والنفط في شرق المتوسط، وهو ما يعطي دول هذه المنطقة دوراً ومساحة كبيرة في تعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.
ورغم ظهور تحديات كثيرة في السنوات العشر الماضية حول حدود المناطق الاقتصادية الخالصة لكل دولة، والخلاف الحدودي بين إسرائيل ولبنان على البلوك التاسع، وعدم استفادة سوريا حتى من الغاز والنفط بسبب الحرب المشتعلة هناك منذ أكثر من 10 سنوات، إلا أن الشهور القليلة الماضية حملت الكثير من مؤشرات التقارب، بما يوفر المزيد من المحفزات السياسية والاقتصادية التي تدفع نحو التعاون، لعل من أبرزها تراجع وتيرة الحرب في سوريا، وتوسط الولايات المتحدة لحل الخلاف اللبناني الإسرائيلي، وإشادة وزارة الخارجية التركية، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، باحترام مصر للجرف القاري التركي، عندما وقعت مصر اتفاقية ترسيم الحدود مع اليونان في 6 أغسطس 2020، وهو الأمر الذي مهد للمحادثات الاستكشافية بين القاهرة وأنقرة.
كل هذا يفتح المجال أمام فرص هائلة لاستغلال هذه الثروات، وبدء مرحلة جديدة من التنمية لكل شعوب المنطقة التي يجمعها الكثير من العلاقات التاريخية، قبل أن تضمها وحدة جغرافية واحدة، وهي الأهداف ذاتها التي يسعى منتدى شرق المتوسط للطاقة لتحقيقه في الفترة المقبلة، فكيف يمكن البناء على أهداف المنتدى حتى تكون منطقة شرق المتوسط ساحة للأمل والرخاء والازدهار لكافة شعوب المنطقة؟
مرحباً بالجميع
كانت دول شرق المتوسط؛ مصر واليونان وقبرص وإيطاليا والأردن وإسرائيل وفلسطين، على موعد في 21 سبتمبر 2020 لإطلاق منتدى غاز شرق المتوسط كمنظمة إقليمية مقرها في القاهرة، وذلك امتثالاً واستكمالاً للإعلان الصادر عن وزراء طاقة دول المنتدى في اجتماعهم بالقاهرة في 14 يناير 2019، حول تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط، الذي يعمل على تحقيق 6 أهداف هي:
1. احترام حقوق الدول الأعضاء بالمنتدى ومواردها من الغاز الطبيعي
2. عمل برنامج من أجل صياغة السياسات الإقليمية
3. تحديد الاستراتيجيات المشتركة بناء على النظرة المستقبلية المشتركة لموارد المنطقة
4. دعم جهود الدول المنتجة أو ذات الاحتياطي من الغاز؛ بهدف التعجيل باستثمار الاحتياطي الحالي والمستقبلي
5. مساعدة الدول المستهلكة على تأمين احتياجاتها
6. الاشتراك مع دول العبور لإتاحة شراكة مستدامة بين الأطراف الأساسية بصناعة الغاز
القانون أساس التعاون
هناك اتفاق بين الجميع في منتدى شرق المتوسط للغاز، سواء كانوا أعضاء أو بصفة مراقب، على ضرورة مراعاة حقوق الدول المنتجة والمستهلكة ودول العبور، وأن أيادي المنتدى مفتوحة لكل من يلتزم ويحترم ميثاق المنتدى والمعاهدة الدولية لقانون البحار الموقعة 10 ديسمبر عام 1982، وحرصاً من دول المنتدى على الاستفادة القصوى من الغاز والنفط وقعت الكثير من دول المنتدى اتفاقيات لترسيم الحدود البحرية، وتعيين المنطقة الاقتصادية الخالصة لكل منها، على سبيل المثال ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص عام 2003، ومصر وإسرائيل 2005، وبين قبرص ولبنان عام 2007، وقبرص وإسرائيل عام 2010، واليونان وإيطاليا في يونيو 2020، واليونان ومصر في 6 أغسطس 2020.
وكان من ثمار توقيع هذه المعاهدات استكشاف حقول عملاقة للغاز في شرق المتوسط، منها حقل ظُهر المصري، الذي تم اكتشافه من جانب شركة إيني الإيطالية عام 2015، وتقدر احتياطاته بـ850 مليار متر مكعب، وحقل أفروديت القبرصي أمام سواحل مدينة ليماسول الجميلة المكتشف في 2011، ويقدر مخزونه بـ140 مليار متر مكعب، كما تستخرج إسرائيل الغاز من عدد من الحقول أبرزها حقل تمار، المكتشف في 2009، وتقدر احتياطاته بنحو 280 مليار متر مكعب، وحقل ليفياثان الذي جرى اكتشافه في عام 2010، وتقدر احتياطاته بـ620 مليار متر مكعب، وحقل تانين المكتشف في 2012، وتقدر احتياطاته بـ34 مليار متر مكعب، وحقل كاريش الذي جرى اكتشافه في العام 2013، وتقدر احتياطاته بـ51 مليار متر مكعب، وحقل رويي المكتشف في العام 2014، وتقدر احتياطاته بـ90 مليار متر مكعب من الغاز.
قطف الثمار
وبالفعل بدأت دول منتدى شرق المتوسط جني الثمار، بعد استكشاف الغاز والنفط. ومن تلك الثمار إعلان مصر الاكتفاء الذاتي وبدء تصدير الغاز، وإعلان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي خلال القمة الثلاثية التاسعة مع اليونان وقبرص في أكتوبر الماضي بأثينا، عن عمل دول منتدى غاز شرق المتوسط على نقل غاز حقل أفروديت القبرصي إلى محطات الإسالة في إدكو ودمياط عبر خط بحري لنقل الغاز، بالإضافة إلى خط آخر ينقل الغاز من السواحل المصرية إلى اليونان للربط مع شبكة الغاز الأوروبية غرب البلقان، بحسب تصريحات للرئيس السيسي، كما يجري العمل على نقل الغاز المصري عبر خط الغاز العربي لحل أزمة الطاقة في لبنان عبر الأراضي الأردنية والسورية، وفق بيان للرئاسة اللبنانية.
كل هذا يؤكد أن جميع شعوب شرق المتوسط أمام فرصة تاريخية للاستفادة من الاحتياطي الضخم من الغاز والنفط بما يعزز من رفاهية شعوب المنطقة، ويعمق من الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.
المصدر:منصة الرؤية