ستعاني أوروبا والمملكة المتحدة بحلول عام 2050، من نقص في اليد العاملة يقدر بـ95 مليون عامل مقارنة بعام 2015. ولمواجهة هذه الأزمة التي ستولد تباطؤا في النمو الاقتصادي، يوصي مركز التنمية العالمي من واشنطن باللجوء إلى المهاجرين من إفريقيا.
إن الأحكام المسبقة بأن المهاجرين يسرقون عمل السكان المحليين آخذة في التلاشي. لأن أوروبا ستضطر إلى الاعتماد على الهجرة في أسرعِ وقت ممكن لتخفيفِ النقصِ المقبلِ في العمالة، وفقا لتقرير نشره مركز التنمية العالمية ومقرُّه واشنطن.
ويرجع تشارلز كيني، مؤلف هذا التقرير والخبير الاقتصادي الأميركي في تصريح لموقع “سكاي نيوز عربية” أسباب هذا النقص إلى عدة عوامل.
ويقول في هذا الشأن، “إن الأزمة ناتجة عن أمرين أساسيين: أولا، تمتع الأوروبيين بصحة جيدة، مما يعني أمد حياة أطول ومزيدا من المتقاعدين. ثانيًا، انخفاض معدل الولادات، يدل على عدد أقل من العمال المستقبليين”.
وعن تأثير هذين العاملين على الاقتصاد الأوروبي يوضح الخبير الاقتصادي، “يستخدم المتقاعدون المزيد من خدمات الرعاية الصحية بالإضافة إلى تلقيهم معاشات التقاعد، مما يزيد الإنفاق الحكومي. لكنهم في المقابل لا يعملون أو يدفعون نفس القدر من الضرائب التي يدفعها السكان النشيطون، لذا فهم يقللون من عائدات الحكومة ويبطئون النمو الاقتصادي. بالإضافة إلى أن احتمال تأسيس كبار السن لشركات جديدة أو القيام بابتكارات أو إجراء أبحاث رائدة ضئيل جدا”.
إذا كان تمديدُ سن التقاعد والاعتماد على الآلات والحواسيب والاستعانة بمصادر خارجية للوظائف تشكل حلولا، بالنسبة لتشارلز كيني، الذي أعد الدراسة، “لن يكون ذلك كافياً حقاً”.
بدوره نقل موقع “مهاجر نيوز” عن “كيني” قوله إنه “لن ينقذ أيٌّ من هذا أوروبا من تحدي شيخوخة السكان”. بالنسبة للخبير الاقتصادي، الأمر واضح: “الهجرة هي الحلُّ الوحيد لهذا الخلل”.
الحاجات الصحية والريفية
محدداً بشكل خاص: “ستكون هناك حاجة حقيقية للمهاجرين في القطاعات المتضررةِ من شيخوخة السكان، مثل خدمات الصحة والرعاية”.
ولكن هذا العام أظهرَ لنا أيضاً أن مجالات أخرى تعاني من نقص العمال، خاصة بسبب الانخفاض في المهاجرين الوافدين.
“في العديد من البلدان الأوروبية، تضررت قطاعات الزراعة والمطاعم والفنادق والنقل وخدمات التنظيف بشدة من هذا الوضع”.
كمثال على واقع فعلي في المملكة المتحدة، فإن الخدمة الصحية الوطنية ونظام الصحة العامة الوطني الذي يوفر الرعاية الأساسية، عرض 100 ألف وظيفة شاغرة للممرضات والأطباء العامّين وموظفي المشافي.
قبل أشهر قليلة من تفشي الوباء، نقلت صحيفة الغارديان عن وزير الدولة البريطاني للصحة جوناثان أشوورث قوله: “إن مديري المستشفيات محبطون بشكل لا يصدق، لأن لديهم موظفين أجانب يرغبون في القدوم والعمل في أقسامهم، لكن الحكومة لن تسمح لهم بالدخول”.
“هذه المرة، لم تكن الحاجة مقتصرة على المصانع، كما حدث خلال الموجاتِ الأولى من الهجرة المغاربية، بل في الصحة وفي المناطقِ الريفية التي تواجه صعوبة في التشغيل من المجتمعات المحلية”، كما يؤكد لمهاجر نيوز كريكو ديارا، الباحث في جامعة ستراسبورغ والمتخصص في شؤون الهجرة. “حتى أننا نرى اليوم خبّازين أو ميكانيكيين يكافحون للعثور على متدرّبين. إنها حاجة يستطيع المهاجرون سدَّها”.
الحل الأفريقي
لجذب المزيد من المهاجرين، يجب أن تتجه أوروبا إلى إفريقيا. يؤكد تشارلز كيني أن “قربَها ومتحدّثيها باللغتين الإنكليزية والفرنسية مزايا أساسيةٌ مهمة”. في عام 2019، كان متوسط العمر هناك (أفريقيا) 19 عاما وفقاً للأمم المتحدة – يكافحون للعثور على وظيفة، ما يجعلها أيضاً “الشريك الواضح الذي يجب أن تتعاون معه أوروبا”.
ووفقا لتقرير مركز التنمية العالمي، من المتوقع أن يرتفع عدد سكان إفريقيا الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و64 عاما من 534 مليون إلى 1.3 مليار بين 2015-2050، إلا أنه وفي خلال نفس الفترة وفي غياب المهاجرين، سينخفض عدد سكان أوروبا الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و64 عاما بأكثر من 100 مليون.
لكن هل ما زالت أوروبا جذّابة لهؤلاء الشبان؟ وفقا للمنظمة الدولية للهجرة (IOM)، يفضّل أكثر من 80% من المهاجرين الأفارقة الاستقرارَ في دولةٍ أخرى جنوبَ الصحراء، أكثرَ من أي مكانٍ آخرَ في العالم.
وحسب الباحث كريكو ديارا، تشكّل الهجرات بين البلدان الأفريقية نقاط انطلاق، لكنها ليست بالضرورة مراحل انتقالية قبل الوصول إلى الغرب”.
إعادة ترتيب الاستراتيجيات
الحاجةُ إلى المغادرة لا ترتبط دائما بالقيود الاقتصادية، بل [بشكل من أشكال التقدم الاجتماعي]. أولئك الذين يسافرون ليسوا أفقرَ الناس. ففي ساحل العاج على سبيل المثال، وصل النُمو إلى رقم قياسي لا مثيل له تقريبا على مدى العقود الثلاثة الماضية. ومع ذلك صدرت البلاد خلال هذه الفترة أكبر عدد من المهاجرين غيرِ الشرعيين إلى السواحل الأوروبية”.
على الرغم من كل شيء، فإن سد فجوة العمل من خلال الهجرة الأفريقية سيظلُّ مجرّدَ أماني، إذا ظلّت سياسةُ الهجرة الأوروبية كما هي عليه الآن. وفقاً للأمم المتحدة، إذا لم يتغير شيء، فسوف يملأ العمال المهاجرون ما بين 23 و 30% فقط من إجمالي النقص في العمال في أوروبا في عام 2050.
يقول إحسان فاليزاده، الباحث المتخصصُ في الهجرة في (IAB) المعهد الألماني لأبحاثِ التوظيفِ وسوقِ العمل والذي التقاهُ مهاجر نيوز: “يجبُ على الاتحاد الأوروبي إعادةُ التفكيرِ في استراتيجيته بشأن هذه القضية، وتقديم المزيد من الوسائل القانونية للمهاجرين المحتملين للمجيء إلى أراضيه. يجب أن نشهد نوعا من المنافسة بين الدول الأوروبية على استقبال المهاجرين”.
كما يوصي مركز التنمية العالمي بفتح الجامعات لمزيد من الطلاب الأجانب، وتطوير شراكات تدريبية للمهاجرين المحتملين، أو حتى قبول عدد أكبر من اللاجئين وإنشاء شبكات تجذب المزيد من المهاجرين لاحقا.
المصدر: مهاجر نيوز + سكاي نيوز + شهبا برس