الرئيسية » مجزرة حماة في الذاكرة

مجزرة حماة في الذاكرة

كتب سوريون في ذكرى المجزرة 

شباط عام اثنين وثمانين , شتاء شاحب يغلف وجه المدينة بلونه الرمادي، ونهر العاصي على غير عادته في تلك المواسم لا يسرع في الجريان.

توقفت النواعير عن الدوران .. سكت العاصي حزيناً على حماة .. شباط الأسود، أرخى سدوله يوم الثلاثاء في الثاني منه، ومن وقتها سيكون لهذا اليوم وقع خاص، فسورية الوطن، ومنذ ذلك التاريخ، دخلت المجهول وأصبح مستقبلها على كف شيطان…


تاريخ لا ينسى ومجزرة محفورة في عمق قلوب الحمويين تتوارثها الأجيال وكل جيل يأتي يكون أكثر نقمة ويسعى إلى الثأر من الذي قبله مع أنه لم يعش الذكرى ولم يعرف مرارة الحسرة والذل والاهوال ممن عايشها وهذا كله لسبب بسيط وهو أن الجرح لم يندمل بعد المجزرة وظل مفتوحاً والعدالة لم تتحقق ولم ينل عقابه الظالم حتى يومنا هذا. 

" اقتلها يلي ببطنها رح يطلع اخونجي"

كانت "حموية حرة" في الرابعة عشر من عمرها حين قام نظام الأسد باقتحام مدينتها، وهكذا في بضعة أيام تم تجريدها، كما كل أهل حماة، من حياتها كما ألفتها وأجبرت وهي لم تتجاوز الأربعة عشر بعد أن تعيش فصولاً من الرعب والخوف لا يمكن لأحد تخيلها.

"كانت ليلة الثاني من شباط في عام 1982 تحت حكم حافظ الاسد. كانت الساعة الثانية ليلاً عندما سمعنا أذاناً يخرج من مساجد حماه كلها وبعد الاذان تكبيرات عالية.

 

استفاق أهل حماه أجمعهم على تلك الأصوات ولم يعِ الكثير ماذا يحصل، ولكن الجميع عرف أنها أبواق الحرب. وللعلم النظام هو من افتعل الاذان لكي يقضي على اهل حماه بحجة قيام حرب عليه، لأن الصواريخ والأسلحة كانت جاهزة للقصف بعد ربع ساعة وطائرات الاسد تحوم في سماء المدينة.


خاف الجميع، وبدأت تظهر علامات الهم على الناس، وخصوصاً أهلي في بيتنا الذي كان يقبع على نهر العاصي في منطقة ما تحت قلعة حماه، وكان هناك العديد من المجازر المتتالية بحق المدنين وخصوصاً المثقفين في السنوات السابقة، وبعد نصف ساعة تقريباً بدأت الصواريخ تنهال على المدينة من قلعة حماة، وبدأت أصوات الرصاص تعلو في المكان، بدأ الخوف يسيطر على الناس، أغلقت أبواب حماة جميعها ليتمكنوا من قتل أكبر عدد من أهالي حماه المدنيين.

قطعت الكهرباء والإتصالات الهاتفية لكي لا يستطيع الناس التواصل مع بعضهم، ولم ينتهي القصف لمدة خمسة عشر يوماً، ذقنا فيه شتى أنواع الرعب والجوع والهوان، لم يعد هناك خبز ولا أي نوع من أنواع الطعام، كنت في الرابعة عشر من عمري وأتذكر كيف كان عمي يجعلنا ننام تحت (الفرشات ) لا فوقها خوفاً من أن ينهدم علينا البيت ونموت تحت القصف.


قصفت قوات نظام الاسد واخيه رفعت مناطق عديدة في حماه أهمها (الكيلانية) المنطقة الاثرية التي يعود تاريخها للملك ابي الفداء ومنطقة (الزنبقي) و(المرابط) و(سوق الشجرة) و(حارة الوادي) و(بستان السعادة) و(الحميدية) و(باب والحيرين) و(المناخ)، هذه المناطق هدمت فوق رؤوس سكانها الأبرياء وماتوا تحت الأنقاض، وحرقت منازل ومحلات بسكانها، هذا عدا المجازر الجماعية. 

كانوا يخرجون الرجال شباباً وأطفالاً وشيباً ويصفونهم صفوفاً ويفتحون نيران رشاشاتهم عليهم ليموتوا أمام أعين البقية الذين كانوا ينتظرون دورهم بالقتل.

حادثة صغيرة يمكن ان اسرد تفاصيلها لدي صديقة لديها أربعة من الأخوة الشباب أخرجوهم جميعاً ليقتلوهم امام أعين والدهم، سالوا الوالد اي الشبان احب إليك والسلاح في رأسه قال الأكبر فقتلوه أولاً. الاصغر كان ذو اربعة عشر ربيعاً أخفته أمه بين النساء ووضعت وشاحاً على رأسه لتخفيه من أعينهم فرآه أحد الجنود المجرمين، وسحبه من بين يديها ليقتله وهي تتوسل إليه بان يبقيه لها.


ولدي صديقة أخرى دخل الجنود على بنايتهم وانزلوا كل العائلات للقبو، وضعوا كل خمسة اشخاص في مقعد واحد ليفتحوا عليهم نيران رشاشاتهم، لم يميزوابينإمراة أوطفل او شيخ.

كانت أم صديقتي حاملاً فبقروا بطنها قائلين ( اقتلها يلي بطنها رح يطلع اخونجي) اصيبت صديقتي بشظايا فقط هي وأختها الكبرى، ولكنهم مثلوا انهم امواتاً هرباً من الموت المحتم، رموا الجثث فوق بعضها وبدأوا يسرقون مصاغ النساء وتقدموا من صديقتي يريدون الحلق التي في أذنها، لم يستطع فكها فسحبها بكل قوته، ولازالت الطفلة تمثل دور الموت ولم تتحرك، تحملت كل انواع الالم لتحيا بعدها تعاني من مرض نفسي.