الرئيسية » دريد لحام: يعانق القتلى على الجبهات.. ويدس السم لضحايا فنه!

دريد لحام: يعانق القتلى على الجبهات.. ويدس السم لضحايا فنه!

أن نرى دريد لحام وسلاف فواخرجي وباسم ياخور وغسان مسعود وسوزان نجم الدين وغيرهم من نجوم الفن السوري يهتفون بروح بشار الاسد، ويهللون فرحا وطربا لجرائمه ، أو يتباكون على قرب انهياره ، فهذا ليس بالأمر المستغرب ، بل هو حالة طبيعية تم العمل والتأسيس لها من قبل نظام الأسد الذي اعتمد طوال فترة استيلائه على السلطة ، على الفن والفنانين كدعاية ودعاة ، تؤدي ، ويؤدون ، مهمة ستر جرائمه وهزائمه ، وتحويلها الى انتصارات وأفعال وطنية، ولهذه الغاية قبل سواها، دأب نظام الأسدي وما مازال على انتاج أعمال فنية عديدة ومتنوعة، لجعلها تنطق بلسان حال النظام وتحتفي بإنجازاته، مقنعة جرائمه، ومن ابتعد منها عن هذا السياق ، سمح لها أن يستغرق في قضايا الجنس والعشق والدين والأمن الغذائي والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية والشبابية ، الناتجة بمجملها عن سلوكيات فردية، ولا يسمح للفنون والآداب بتاتاً الاقتراب من مواضيع تتناول تركيبة السلطة السورية ومسألة شرعيتها من عدمها، اللهم إلا السلطة بمفهومها المطلق، أو تلك التي تعيش في كوكب آخر!

 

واستمر الأمر على حاله في خضم أحداث الثورة السورية 2011 و في أوج مراحل سفك الدم السوري ،واستمرت الندوات الشعرية و الحفلات الموسيقية و المسلسلات التلفزيونية والعروض المسرحية ، وكأن شيئا لا يحدث ، ولم يحدث ، ولن يحدث ، في سعي حثيث لإفراغ الحراك الثوري من مضمونه والاستخفاف بالدم المراق ، وها هو الأفاق دريد لحام يؤدي وظيفته على أكمل وجه ، ذاهباً برفقة الشبيحة سلاف فواخرجي إلى واحد من مواقع الجيش الأسدي الذي ينكل ذبحا وقتلا وتشريدا بنساء ورجال وأطفال سورية ، مباركين لهذا الجيش طقوس جرائمه ، دافعين عناصره إلى مزيد من القتل ومزيد من التدمير ، وإلى مزيد من تجويع الأطفال اللذين سبق لدريد لحام أن بكى لجوعهم وتعتيرهم شكلياً واستعراضياً ، وان غنى لأمهاتهم وزرف لأجلهن دموع غزيرة في معظم مسرحياته ، ومن لا منا يتذكر أغنية " يامو " هذه الأم التي صارت عند دريد لحام تستحق القتل والموت والاغتصاب على يد جيش الأسد لكونها فكرت أن تتحرر، وتحرر طفلها وتبني له وطن ليس مرقعاً كما حال "جرابات "طفلها ، بل وطن شبيه بالوطن الذي كان يحلم به دريد لحام في مسرحياته ، لكن على ما يبدو الحلم بالأوطان والحنو على الأطفال وزرف الدموع لوجع الأمهات في الفن والمسرح ، يقابله التهليل لموتهم وقتلهم في مسرح الحياة ، وتلك هي العقلية الانتهازية والتركيبة النفسية الإجرامية التي تتفشى في نفوس صانعي الفن والأدب السوري ، وهذه نتيجة طبيعية ، طالما وأن معظم النجوم ما كانوا ليكونوا نجوماً ، لولا انهم خرجوا من رحم نظام تعشعش فيه الجريمة وتحفر في الجسد السوري عميقاً .

 

وعلى ما يبدو فقد جاهد دريد لحام طوال فترة مسيرته الفنية على أن يجمل قبحه النفسي والعقلي بقناع الفن ، وكذا حال سلاف فواخرجي ، ومن هم على شاكلتها من نجوم الفن والأدب . وبالعودة إلى دريد لحام ومسيرته الفنية المسرحية تحديداً ، وبعيداً _ مؤقتاً _ عن مواقفه من الثورة السورية . سنجد أن جميع أعماله الفنية كان لها أثار مدمرة لأي فكر إنساني تحرري .

امتدت ظاهرة مسرح دريد لحام من 1974مع مسرحية " ضيعة تشرين ، وحتى مسرحية " صانع المطر" 1994 والتي اعتبرت في حينها الأكثر جماهيرية ، والأكثر جرأة في ملامستها لقضايا الوطن والمواطن السوري والعربي ، لكن ما ان نمعن النظر في حقيقة هذه الظاهرة ، سيتبين لنا ، أن ما كان يراد من تلك العروض عكس ذلك تماماً ، فحينما كانت تطرح السلطة متمثلة برجل الأمن أو المسؤول الأمني على سبيل المثال ، كانا يقدمان ضمن قالب كوميدي تهكمي ، مجسدين في نمط شخصاني يتحلى بالغباء والسذاجة أكثر مما يتحلى بشيء آخر ، فيتم انتقادهما والنيل منهما بإسلوب مباشرة تارة ، أو بالإيحاءات اللفظية تارة أخرى ، ونتيجة للكبت وللقمع السياسي الذي مورس على المواطن السوري بشكل خاص ، كان المشاهد يقف مذهولاً أمام جرأة الطرح ووطنيته ، مستسلماً فكرياً وعاطفياً لما يعرض أمامه ، وما إن يصل العرض إلى مرحلة الاستحكام الكامل بالمشاهد ، تأتي النهايات لتخبر هذا المشاهد الذي بلغ حد الاستلاب ، وبصريح العبارة : أن كل هذا الفساد النابع من مسئولي السلطة ، وأن كل هذا الاستغلال والقهر، إنما يجري في رقعة عربية ليست سورية ، أو أنه جري في سورية ، لكن ليس في زمن حكم البعث ، بل أن مجيء البعث هو من قضى على الاستغلال والقهر الذي كان واقعاً عليك. وعادة ما يأتي ذلك الخطاب في نهاية العروض المسرحية وعبر سكتشات غنائية مما يؤكد بنحو أو آخر، أن تلك العروض المسرحية أمكن لها ان تؤدي خدمة جليلة لعصابة الأسد، من خلال تنفيسها للمشاعر المكبوتة في وجدان المشاهد، وجعل كبته وغضبه ومرارته، وعبر الفن المسرحي ، ينصبون على الفترة السابقة لقيام حزب البعث!

 

وحتى عندما كانت تمارس سلطة البعث على مثل هذه العروض المسرحية حالة المنع، فذلك لم يكن إلا خديعة و أسلوباً ، يحفز المشاهدين للتهافت عليها أكثر، إلى أن امتد أثرها إلى ما بعد احداث الثورة السورية بأيام قليلة ، نتيجة توفرها على أشرطة السيدي المباعة على البسطات والأرصفة السورية ، وهذا ما أدى إلى نشوء علاقة مميزة بين منتج ونجم هذه الأعمال دريد لحام وبين الجمهور ، تكاد توازي العلاقة التي نشأت بينه وبين سلطة البعث ، إلى حد أن قسماً كبيرا من هذا الجمهور، وعند بدء أحداث الثورة ، كان على يقين من أن نجمهم الشعبي سيقف إلى جانبهم وينحاز إلى ثورتهم، انطلاقا من خلطهم بين الدور الذي يؤديه الفنان في المادة الفنية ، وبين الدور الذي يمكن أن يؤديه في الحياة الواقعية، معتمدين من جانب أخر ، على دموع التماسيح التي كان يستدرها دريد لحام تعاطفا مع المظلومين والمساكين على خشبة المسرح، بينما أبصروه طوال فترة الثورة يهلل فرحاً و طرباً لقاتلي المساكين والمظلومين، وقد راح يؤدي على خشبة مسرح الحياة أدوار خذل فيه أحلام الجماهير وتوقعاتهم، واتخذ منحى معادي لثورتهم، مما شكل صدمة عنيفة مست وجدان ووعي الجمهور السوري الذي ربي على الفنون الزائفة التي تدس السموم في وجدانه وعقله.

 

 

ولكن لعلى أشد صفعة وجهت لدريد لحام، وأكبر خيبة أمل تعرض لها طوال مسيرته الفنية ، اكتشافه فجأة، ان الفنون الزائفة وجرعات السم التي كان يبثها للمشاهدين عبر فنه، لم تجدي نفعاً ، ولم تميت ضمائرهم ، ولم تخدر عقولهم ، حينما أبصر بعينيه ، كيف نهض الشباب السوري من غيبوبته وراح يطالب بالحرية وبسقوط النظام الذي حضن دريد لحام وأمثاله وأوصلهم إلى النجومية، وقد ظن الأخير أن الأجيال التي تتلمذت على مسرحه لابد وأنها بلغت حالة الخدر الكامل ، غير ان السوريون ودون أدنى جهد عقلي كشفوا زيفه ونفاقه ، وأدركوا أن معظم الفنون التي نشأت في عهد البعث ، ومعظم أبطالها ونجومها ، ليسوا إلا اكذوبة مورست عليهم ، فما كان منهم ومنذ الأيام الأولى للثورة ، إلا أن أقدموا على رمي دريد لحام وسلاف فواخرجي وأمثالهم من النجوم إلى مزبلة التاريخ ، ووضعهم في قائمة القتلة والسفاحين ، ومضوا هم خلف حلمهم بوطن محرر من زيف الفنون ، ومن دموع التماسيح .