على مدى أكثر من عام يحيط تنظيم داعش بمدينة مارع من الجبهة الشرقية ولا يبعد عنها سوى كيلوا مترات معدودة، حيث استهدفها بعدد كبيرة من القذائف الصاروخية والمدفعية، كما سير العديد من السيارات المفخخة والإنتحاريين الذين ضربوا أحيائها المأهولة بالسكان المحليين , تسبب قصف داعش للمدينة بمقتل 200 شخص على الأقل على مدار العام المنصرم , كما أحدثت العمليات الإجرامية المنظمة لمليشيات التنظيم إعاقات دائمة في صفوف المدنيين الذين طالهم القصف المتنوع.
منذ الشهرين تقريباً كثف التنظيم من عملياته العسكرية بريف حلب الشمالي , وبدى أكثر إصراراً على إحتلال ريف حلب وتقدمت سرايا التنظيم في أكثر من محور وإحتلت بلدات وقرى أم حوش وأم القرى والوحشية وصوران وتلالين التي كانت آخر تقدمات التنظيم.
الواقع الجديد لخارطة السيطرة لتنظيم داعش تظهر مدينة مارع في موقف حرج جداً إذا ما بقي الحال على ما هو عليه، حيث إلتف التنظيم من الشمال والجنوب برأس حربة يمتد من الشرق، ولم يبقى للمدينة إلا الجهة الغربية تطل على المناطق المحررة.
يوم الجمعة الماضي , 21 آب , قصف تنظيم داعش المدنية " مارع " بأكثر من 50 قذيفة مدفعية وفوزليكا , جميعها استهدفت بيوت المدنيين , وكان أغلب القذائف الملقاة على المدينة تحوي غاز الخرردل , أحد أهم الأسلحة الكيماوية الممنوعة عالمياً.
تسبب القصف بالكيماوي بوقوع عدد كبير من حالات الإختناق الآنية، أطفال ونساء وعائلات بأكملها دون أن يعرف أحد ماهية هذه الروائح والأدخنة التي صدرت عن القذائف المنفجرة، إلى أن بدأت المضاعفات بالظهور على أجساد المرضى الذين تم نقلهم إلى المشافي التركية.
ضيق تنفس , وحالات إختناق دورية , وتنفخات في الجلد في معظم مناطق الجسم الحساسة , كما ظهرت نتوئات وخدوش متنوعة أشبه ما تكون لحروق من الدرجة الثانية , مع إحمرار العينين وسيلان الدموع منهم بشكل كثيف.
حول الموضوع أكد العميد زاهر الساكت رئيس المجلس العسكري بحلب سابقاً، أن تنظيم داعش استخدم غازَ الخردل خلال قصفه مدينة مارع، بريف حلب شمالي الجمعة الماضية، وأكد على وجود إصابات متنوعة في صفوف المدنيين الذين تم نقلهم إلى تركيا تباعاً.
و في اتصال لشهبا برس مع العميد المنشق زاهر الساكت مدير مركز التوثيق الكيماوي لانتهاكات النظام وداعش والمختص بالحرب الكيميائية، ومن خلال المعلومات التي وصلته والصور والفيديوهات أكد أن المادة المستخدمة في القذائف التي أطلقها تنظيم داعش على مدينة مارع هي غاز الخردل السام أو ما يسمى "الايبريت"، كما نبه لضرورة الابتعاد عن شرب المياه أو تناول الأطعمة التي كانت مكشوفة أثناء القصف.
وأوضح الساكت، وهو مختص بالأسلحة الكيماوية في تصريحه لشهبا برس اليوم الأحد أن الحالات التي تمت معاينتها ظهر عليها وجود تقيُّح عند بعض المصابين , وحالات اختناق, وحروق جلد من درجات متفاوتة, وأضاف أن الأسلحة التي تم استخدامها، من قِبَل التنظيم قد تكون أُخذت من مستودعات الجيش العراقي السابق، وهذا ما تؤكده الإصابات، وتأخُّر ظهور الأعراض ، حيث إن طول مدة تخزين الخردل، خفَّف من درجة سُميّتها، وهو السبب في تأخُّر ظهور أعراضها على المصابين لأكثر من 24 ساعة.
وأشار العميد الساكت إلى أن داعش لديها كميات كبيرة من الغازات السامة , وقد حصلت عليها من مستودعات الجيش العراقي السابق ومن مستودعات نظام الأسد التي دخلها التنظيم .
التطورات الأخيرة في معركة داعش تعتبر تحول خطير جداً , بعد أن بدأ بإستخدام الأسلحة الكيماوية والغازات السامة , في ظل تباطؤ دولي وإقليمي في دعم الثوار في حلب .
ربما تحمل الأيام القادمة مستجدات أكثر خطورة تحديداً بعد أن إعتبر التنظيم معركته في شمال حلب ضد الثوار مسألة تحدٍ لا بد أن يتابع مسيره فيها.